الثلاثاء، 20 جويلية 2010

أثر البيئة في فكر وتفسير سيّد قطب

أثر البيئة في فكر وتفسير سيد قطب:

أولا : الأسرة

يقول سيد قطب عن أسرته عليه رحمة الله : "...نشأ في أسرة ليست عظيمة الثراء , ولكنها ظاهرةُ الامتياز , كانت في وقت من الأوقات عظيمة الثروة , ولكنها توزعت وتضاءلت بالميراث , وبقي لوالده قدرٌ لا بأس به منها , ولكنه كان يتناقص دائماً . وكان والده قد صار عميد الأسرة المكلَّفَ حِفْظَ اسمها ومركزها , في الوقت الذي لم ينله من الميراث إلاّ نصيب محدود , لا ينهضُ بما كانت تنهض به ثروةُ الأسرة مجتمعة , على حين لا يستطيعُ أن يُنْقِصَ شيئا من تكاليف المظهر في الريف ..."[1] وعن أسرة والدته يقول : "... وكانت والدته من أسرة مماثلة أو أعرق . وقد وقع لها ما وقع لأسرة الوالد , حرفا بحرف . ولكنه زاد عليها , أنّ اثنين من أخواله كانا قد أُوفِدا إلى الأزهر من القرية , شأن غالبية الأسر الريفية الثرية . فأنشأ هذا في الأسرة شيئا من الرقيِّ العلميِّ , بجانب الوجاهة الريفية . يضاف إلى هذا كلّه , أنّ جدّه لوالدتِه كان قد قضى شطرا من حياته في القاهرة هو وزوجته , حتى إذا عاد إلى القرية , أنشأ فيها بيتا يقرُبُ من بيوت العاصمة على قدر الإمكان, في نظامه وتنسيقه وتقاليده ومستواه . في هذه البيئة نشأ . وكلّ ما حولَه يشعره أنه من وسط آخر غير وسط القرية ...."[2]

هذا عن أسرته من جهة والده ووالدته أما الوالد نفسه فقد اتصف بصفات واتّسم بسمات كانت لها الأثر البليغ في تحديد معالم شخصية سيد رحمه الله وبالتالي انعكست على فكره عموما وعلى تفسيره على وجه الخصوص لعل من أبرزها :

ü لعل أولها وأهمها تدينه ومن أبرز مظاهر هذا التدين حجّه ـ فلم يكن يوم ذاك يحج إلاّ أعيان الناس ومن عَمَرَ الإيمان قلبه , مواضبته على صلاة الجماعة في المسجد ( وقد كان يأخذ سيد معه ), علاقته المميزة بأئمة القرية وقرائها , حفلات القرآن التي كان يعقدها في بيته...

ü الوجاهة والشرف والتقدم والإكبار الذي كان يتميز بها بحكم تزعمه لإحدى أسر القرية العريقة والشريفة

ü تضحيات والده الجسام من أجل الحفاظ على مكانة الأسرة حتى اضطر إلى بيع بيته وجلّ ما يملكه لا بل صار مدانا... لأنّه كان يعتبر نفسه مسؤولا عن العائلة مطالبا بحكم تقدمه وزعامته ووجاهته بالحفاظ على مكانتها وشرفها بين باقي العائلات والأسر وكذا الحفاظ على وحدتها وترابط وتآلف أفرادها

ü لقد كان والده يعامل العمال سواء منهم سكان القرية أو الغرباء عنها معاملة في غاية اللطف والودّ على خلاف غيره من القرية ذاتها أو من خارجها ـ على وجه الخصوص ـ الذين كانوا يعاملونهم معاملة الإيماء والعبيد

ü كرمه الواسع الذي تمثل أكثر ما تمثل في تلك الولائم القرآنية التي كان يعقدها في بيته في كلّ فرصة وحين ويدعو لها أهل القرية أجمعين فيأكلون ويشربون بعد أن يسمعوا تلاوة القرآن الكريم

ü لقد كان له اهتمامات سياسية لا بل كان من أنشط أعضاء الحزب الوطني في القرية إن لم يكن أنشطهم وكان بيته بمثابة مقرا للحزب وناديا لأعضائه

ü مشاركته في ثورة 1919م [3] كقائد ومنظم ومنظر ومؤطّر داخل قرية موشة

أما والدته فمن أبرز سماتها وصفاتها :

ü تدينها ولعل أهم ما لفت انتباه سيد في تدين أمه تعلقها وحبها الشديد للقرآن الكريم

ü حنوّها وعاطفتها المتميزة تجاه سيد قطب رحمه الله

ü حبها للعلم والتعلم

ü مواقفها الحازمة والحكيمة .......

ولأنّ سيد كان أكبر أخواته فإنّ تأثيره فيهم كان أكبر من تأثره بهم لكن رغم ذلك يمكننا أن نقول عن أخيه محمد وعن إخوته نفيسة , أمينة وحميدة أنّم اتصفوا جميعهم بصفات كان لها على سيد قطب رحمه الله انعكاسا بارزا وظاهرا , أهمها :

ü اتجاههم الأدبي وشاعريتهم التي تظهر في كتاباتهم خاصة كتاب "الأطياف الأربعة "

ü اتجاههم الإسلامي المبكر ابتداء من أخته أمينة التي صارت نموذجا للأدباء والروائيين الإسلاميين وبخاصة المجموعة القصصية "على الطريق" ومحمد صاحب الكتب والمؤلفات النفيسة في المجالات الدعوية الفكرية والتربوية ....[4]

ü تضحياتهم من أجل ما يعتقدون بمالهم بأنفسهم وبعائلاتهم أزواجا وولدانا...

إنّ أبرز تأثيرات محيط سيد الأسري على شخصيته وفكره وعلى تفسيره بوجه أخص تتمثل فيها يلي :

Ø اتجاهه الديني ؛ فإنّ تدينه الذي دفعه إلى الاهتمام بكتاب الله ومحاولة تفسيره ابتدأ عنده مبكرا بفعل تأثيرات وتوجيهات أسرته

Ø اهتمامه بالعلم استجابة لتعاليم الوالد ومتابعة الوالدة وحرصها

Ø عاطفته الجياشة وحنوِّه على أمته بل وعلى البشرية جمعاء هذه العاطفة التي استقاها ـ كما يقول علماء النفس والاجتماع ـ من أسرته المترابطة المتاحبّة الموحدة الهادئة وكذا من والدته التي كانت تغمره بحنوّها وعطفها ومن والده الذي كان يلاحظ حنوّه على أفراد عشيرته وأسرته وعماله

Ø وقد كان لأبيه تأثير بليغ وكبير على سلوكه وعلى شخصيته انعكست فيما بعد على مواقفه وأرائه وعلى فكره وتفسيره فقد كان عليه رحمة الله كأبيه معتدّ بنفسه حتى منذ طفولته الأولى[5] عزيز النفس رفيعُها مستعليا على أقرانه يشعر بشيء من التقدم عليهم وبكثير من المسؤولية تجاه ما يعتقده حقا إزاء أمته كما كان يشعر بنوع من الإحساس بالقيادة والإمارة والإمامة على غيره ... وكلّ ذلك اقتداء بأبيه وتأثرا به والله أعلم وجميع هذه المشاعر قد انعكست على فكره وعلى تفسيره من خلال بعض أفكاره كمفهوم الاستعلاء وكعقليته التجديدية والتأسيسية وكمواقفه الرجولية والشجاعة خلال مراحل حياته المختلفة

Ø الحزم وقوة الرأي والشدّة في اتخاذ المواقف والدفاع عن معتقداته والمحاجات عنها بكل ما أوتي من بيان وبرهان وقوة لإثباتها ونشرها والتضحية من أجلها بالغالي والنفيس

Ø ولا يبعد أن يكون موقفه من العبودية في الإسلام[6] قد بدأ يتطور في ذهنه وفكره في مراحل حياته الأولى تأثرا بمواقف أبيه من عماله وخدمه

Ø وقد كان للإخوة أثرهم في تشجيعه ـ على الأقل ـ على التضحية بالنفس والنفيس من أجل دينه ودعوته[7] كما كان لهم أثرهم في اهتماماته الأدبية (لقد كان تأثيره فيهم هو الظاهر ولكن ذلك لا يمنع من تسجيل تأثره بهم كذلك...)

ثانيا: القرية

قرية "موشة" أو "موشا" وتسمى كذلك "بلد الشيخ عبد الفتاح" نسبة لأحد الأولياء له مقام بارز بها , إحدى قرى محافظة أسيوط في صعيد مصر ذكرها المقريزي في كتابه "الخطط المقريزية" مكتفيا بالكلام على طبيعتها الساحرة وعلى ديرها المسيحي القديم[8]

تقع القرية على جانب نهر النيل محصورة بين جبلين أراضيها فلاحية واسعة وزراعتها رائجة مربحة فهي قرية على خلاف باقي القرى لها ثلاث مواسم زراعية لكل موسم فرحته وحفلته وخيراته التي يحفل بها سكان القرية كبارهم وصغارهم وهي موسم اللُّوق وموسم الحصاد وموسم جني القطن ... والمقصود بموسم اللُّوق هو فيضان النيل الذي يحوّل القرية إلى بركة كبيرة من الماء ... تمتد من الجبل إلى الجبل ولا يتنقل السكان حينها إلاّ باستعمال القوارب الصغيرة ... ما يبثّ شعورا مميّزا داخل القرية شعورا شبيها بما يشعرون به في المناسبات والأعياد ولتعلقه بالزراعة وبالنيل والبساتين والأراضي الفلاحية جعلوه موسما زراعيا ...

كانت قرية موشة معروفة بثرائها وبنظافتها وثقافة أهلها وتحضرهم مقارنة مع باقي قرى الصعيد المجاورة لها

غالبية سكان القرية مسلمون وبعضهم مسيحيون لهم دير قديم مشهور ـ هوالذي ذكره المقريزي في كتابه وأشاد به ـ ولهم كنيسة داخل القرية كانوا يعيشون ويتعايشون مع المسلمين لا يختلفون عنهم لا في عادة ولا لغة ولا زيّ ولا في حسٍّ وطنيّ ولا قومي ... لا يختلفون عنهم إلاّ في العقيدة ...

أما المسلمون فقد كانت لهم مساجدهم لتأدية الصلاة ولعقود القران والصلح وللفصل بين الناس في خصوماتهم ولإقامة حلقات الوعظ والإرشاد كما كانت لهم كتاتيبهم لحفظ القرآن وطلب العلوم الأولية وكان سيد من رواد هذه المساجد سواء مع أبيه وهو لا يزال صغيرا لا يميز , ثم بعد أن كبر الصبي وصار يعقل ما يصنع ويحفظ شيئا من القرآن أصبح يرتاده لوحده ملتزما بصلاة الجماعة في جميع الأوقات وملتزما بحضور الدروس التي كانت تلقى فيه ...

وكانت للقرية مدرسة يديرها رجل متنور من رجالات الإصلاح أفاد سيد بنصائحه وبتعليمه وكان له أثره في توجيهه الوجهة الصحيحة المتدينة وكذلك كان له دوره في وجهته الأدبية

ولعل من أبرز مظاهر تأثر سيد بقريته وسكان قريته ما يأتي:

Ø لا يستبعد أن يكون لطبيعة القرية الخلابة وجمالها الجذاب دور في نزعته الأدبية وفي تذوقه للفنّ والجمال بل ولعلها كانت أصل نظريته الأدبية " التصوير الفني" ومن يطالع القصة التي أوردها سيد مبيّنا شعور أهل القرية حين يتراجع النيل وقول أحدهم باللهجة العامية : "مسكين خلاص همد" وكأنه يتكلم عن كائن حيّ ومثل ذلك شعور سيد وموقفه من النخلتين اللتين كانتا في البيت وكان سيد يتأثر لرؤية حركتهما بسبب الرياح فتهتز لذلك مشاعره وأحاسيسه وموقفه من زهرة دقن الباشا المعطرة التي كانت تنبت في المدرسة دون سواها وكان سيد يحبها وينجذب نحوها

Ø طبيعة الإنسان الريفي الصعيدي والتي تتسم بشيء من الخشونة والقسوة فهو معروف بالشدّة والقوة والعنف والثأر والثورة هذه المشاعر والمظاهر التي نجدها في شخص سيد وفي فكره بشكل أو بآخر ...

Ø طبيعة الحياة الاجتماعية ؛ البساطة ,الفقر ,صدق اللهجة , القناعة , تلاحم أهل القرية وعيشهم مع بعض ... وغيرها من المواصفات التي تميّز بها أهل القرية ولم تستثني سيد من دونهم وهذه المواصفات سنجدها أو نجد مقتضياتها ولوازمها في كتبه وفكره وفي أرائه ومواقفه ...

Ø معاشرته للنصارى أفادته الشيئ الكثير لعل أوّلها تعرفه على النصرانية والنصارى عن قرب لهذا تجده يكثر الحديث عنهم في تفسيره وفرق بين حديثه عن النصارى وحديثه عن اليهود أما النصارى فهو يتعرض في الغالب إلى عقائدهم وأفكارهم وسلوكاتهم بالبيان والنقد أما اليهود فيكتفي بالحديث إمّا عن تاريخهم مع الأنبياء والمرسلين أو الحديث عن مكرهم وكيدهم في العصر الحديث ... , غالبا ما كان يتحدث عن رقّتهم واهتمامهم بالجانب الروحي دون باقي مجالات الدين والحياة ...وهذا كله نجد آثاره في تفسيره وفكره ...

ثالثا :المحيط الصحفي

بداية علاقة سيد قطب بالصحافة قديمة جدّاً يمكننا إرجاعها إلى طفولته الأولى حتى قبل أن يحسن التفريق بين حروف الهجاء لمّا كان يرى والده يقرأ صحيفة "اللواء" يوميا في بيته على أصحاب القرية وقد كان لهذا المشهد أثره في نفسية سيد لعل أقلّها شعوره بأهمية الصحافة في إيصال المعلومة والفكرة إلى عموم الناس وأبسطهم وأبعدهم ... وقد سجل تلك المشاهد في كتابه "طفل من القرية"[9]

وما إن أحسن سيد القراءة وأجادها حتى كلّفه والده بأن يتولى هو قراءة الصحيفة للمجتعين في بيته

ولما سافر إلى القاهرة أقام عند خاله "أحمد حسين عثمان" المتخرج من الأزهر الشريف والكاتب الصحفي الذي كان يوقع مقالاته باسم "أحمد الموشي" أوّل مقال نشره في صحيفة "البلاغ" اليومية عام 1922 أي بعد عام من وصوله إلى القاهرة . وكان عمره ستة عشر عاما لا يزال طالبا في مدرسة المعلمين الأولية

كما نشر أشعاره الأولى في صحيفة "الحياة الجديدة"

ولعل من أسباب استقبال المجلات والصحف لمقالات سيد وأشعاره انضمامه لحزب الوفد الذي فتح أمامه أبواب مجلاته وصحفه وكذلك شفاعة كل من خاله وشيخه وأستاذه العقاد ... وقد استمر يكتب وينشر ويتعامل مع الصحافة ككاتب وكرئيس تحرير ومدير لأكثر من ثلاثين سنة ولم يتوقف عن النشاط الصحفي إلاّ بعد سجنه سنة 1954

يقول الأستاذ عبد الباقي محمد حسين مبينا غزارة إنتاج سيد الصحفي :"لم ينتج سيد قطب في فنٍّ أدبي أكثر مما أنتج في فنّ المقالة ..." وقد تعددت أشكال كتاباته وتنوعت بين النثر والشعر وبين المقالات الأدبية والنقدية والتربوية والاجتماعية والسياسية ...إلخ ... يقول الأستاذ أحمد عامر معجبا بغزارة إنتاج سيد وجودته مطالبا بتكريمه وإعلاء شأنه :"ولو أنّنا تناولنا نتاجه في ضوء عمره , لدعونا الزملاء جميعا إلى اكتتابٍ عامٌ , يطيب لكاتب هذا الفصل أن يساهم فيه برأسه , حتى نقيمَ له تمثالا بحجم صورته , ونتوجَّه بهذه الشهادة . نشهد نحن الموقعين على هذا , أنّ زميلنا سيّد قطب , من أولئك الذين أَرْبَتْ أقدارُهم على أعمارهم ...! ولكننا في مصر ... ومصر المحروسة بلدُ العقوق ...!!" [10] يقول الدكتور الخالدي تعليقا على شهادة الأستاذ علي أحمد عامر :" وإذا كان نتاج سيد قطب الوفير في فترة قصيرة من بداية حياته الأدبية والفكرية , قد نال إعجاب الأدباء والقراء والباحثين ,حتى دفع أحدَهم ـ علي أحمد عامر ـ إلى تقديم هذه الشهادة العجيبة , فكيف بسيد قطب وقد ملأ سمع العربية وبصرها في الأربعينيات ؟ كيف به وقد تقدّم إلى طليعة أدباء العربية ونقاد الأدب العربي ؟ كيف به وقد سار في طريق الفكر الإسلامي حتى وصل إلى ريادته ؟ وفي طريق العمل الجهادي الإسلامي حتى وصل إلى مقدمته ؟ كيف تكون الشهادةُ له وتقديره[11]؟ ولكنه نال من الإيذاء والاضطهاد , والابتلاء والتعذيب , والإساءة والإهمال والعقوق , ما لم يَنَلْه أديب مفكر في القديم والحديث , حيث أزهِقتْ روحه لأنها أبتْ الخنوعَ والخضوع , وعامله الظلمةُ والطغاةُ والمجرمون أقسى من معاملة المجرمين . ولا عجب "فنحن في مصر .. ومصر المحروسة بلد العقوق"!اهـ [12]

وقد كان اشتغاله وعمله مع هذه المجلات والصحف يختلف من مجلة لأخرى فكان في بعضها يعمل كموظف ينال أجرته في نهاية كلّ شهر مقابل مقالته الدورية كمكان يصنع مع كلّ من جريدة "الأهرام" و "البلاغ" بينما كانت جلّ وغالب مقالاته ينشرها بالمجال ولا يطلب من الناشر سوى فتح المجال أمام إنتاجه الفكري لا غير ومثل ذلك صنع مع "الأسبوع" و"كوكب الشرق" و"المصوّر" و"الوادي" و"الثقافة" و"الرسالة" و"الدعوة" وغيرها ... وكان في بعضها الآخر يتولى رئاسة تحريرها والإشراف عليها كما يتولى كتابة عدّة مقالات في العدد الواحد منها ومثالها مجلة "الفكر الجديد" و"العالم العربي" و"الإخوان المسلمون"

وقد قدم الأستاذ عبد الباقي محمد حسين ببليوغرافيا لمجموع مقالات وقصائد سيد في مختلف المجلات والصحف فبلغ عددها أربعمائة وخمس وخمسين مقالةً وقصيدة موزعة على تسعَ عشرةَ دورية

ولمعرفة طبيعة هده المقالات ومواضيعها نذكر ها هنا نماذج منها الخاصة بمجلتي "الفكر الجديد" و"الإخوان المسلمون" فأما الأولى فممّا نشره فيها :

ü فلنؤمن بأنفسنا ؛ يناير 1948

ü أفخاذ ونهود؛ يناير 1948

ü أنتم أيها المترفون تزرعون الشيوعية زرعا ؛ فبراير 1948

ü وضع مقلوب في جوائز فؤاد الأول , درس في الكرامة لأساتذتنا الكبار؛ فبراير 1948

ü أولاد الذوات وبناتهم هم نَتَنُ الأرض ولعنة السماء؛ فبراير 1948

ü تحرروا يا عبيد الأمريكان والروس والإنجليز, الأمة مصدر السلطات , يضَعُها عسكري بوليس ويجلدُ بها الأرض ؛ فبراير 1948

ü يا شباب الوادي تأهبوا واستعدوا؛ فبراير 1948

ü ليس الشعب متسولا , فردُّوا له حقوقه , وهو غني عن كرمكم مارس 1948

ومن أمثلة مقالاته في مجلة " الإخوان المسلمون"

ü منهج الأدب ؛ العدد 1

ü بل نقذف بالحق على الباطل؛ العدد 3

ü الاتجاهات الثابتة للشعوب ؛ العدد 4

ü هذا الشعب يريد ؛ العدد 6

ü صحوة ليس بعدها سبات ؛ العدد 7

ü قضية واحدة وأمة واحدة؛ العدد 8

ü الرسالة الإسلامية والضمان الاجتماعي ؛ العدد 9

ولقد كان سيد عليه رحمة الله يوازن بين الصحافة والتدريس ويجعلهما وجهتين لعملة واحدة إذ هما في النهاية إنّما يخدمان أهدافا واحدة هي العلم والحقيقة والمعرفة ...

يقول عليه رحمة الله :"...بين الصحيفة المدرسة نشأت, وبينهما كذلك لا أزال , لقد أحببتهما معاً , ووجدتُ في كلٍ منهما غذاءً لشوقٍ كامنٍ مخبوءٍ في نفسي , وما فرقتُ بينهما على ما أعتقدُ تفرقةً فاصلة . فأنا في حجرة المدرسة أحاول أن أشيع جوّاً من الأدب والصحافة , حتى مع أصغر التلاميذ . وأنا في مكتب التحرير أميل أن أكون المدرّسَ الواضحَ المقرِّرَ , وأميلُ أن أتحدثَ عن التربية وعن التعليم !" [13]

وممّا يسجل لسيد في هذا الباب أنّه شنّ حملة هوجاء على الصحافة والصحافيين واتهمها بأنّها تتاجر بالرأي العام وأنّها تخدم الدرهم والدينار أكثر ممّا تخدم الحقيقة وأنّها تسير مع الأكثر عطاء وتغَلِّب المصالح المادية والآنية والخاصة على رسالة الصحافة الطاهرة والمقدسة ...وذلك في العديد من مقالاته ومحاضراته وفي بعض كتبه كالإسلام والرأسمالية وغيرها .....ونختم هذا المبحث بذكر بعض آثار العمل الصحفي على فكر سيد قطب وعلى منهج تفسيره:

Ø العناوين المثيرة في الصحافة نجدها في مواضيع تفسيره وفي معالم فكره ومنهجه كجاهلية القرن العشرين أو الجاهلية المعاصرة أو المفاصلة , الاستعلاء الإيماني , الحاكمية , العزلة الشعورية , لا إله إلاّ الله منهج حياة , الحضارة هي الإسلام , صنم المصلحة , هبل العصر وأصنام العصر.....

Ø معارضته لنظام الحكم في مصر وفي جميع البلدان العربية والإسلامية لم تبتدئ بتحوله الإسلامي ولا بانضمامه للإخوان المسلمون ولا بالتغير المنهجي في آخر عمره ولكنه قديم قِدَمَ اشتغاله بالصحافة ...

Ø فضحه للآفات الاجتماعية ومحاولة الوقوف على أسبابها تقديم العلاج لها ...فهذه الميزة تجدها في ظلاله كما تجدها في مقالاته

Ø دفاعه المستميت عن أرائه وأفكاره ونشرها والبوح بها مهما رآها الناس غريبة ومهما بلغت قوة المعارضين لها ... فالمتابع لمنهجه في مقالاته وفي العديد من مواقفه الصحفية يدرك هذا جيّدا ......

Ø النقد الذاتي هذه الميزة التي تسببت في ظهور منهجه الأخير وفيما عرفه من تحولات في جميع أطوار حياته لعله استقاها من ميدان الصحافة بسبب طول اشتغاله بالنقد وبسبب كثرة حملاته التي شنّها على عالم الصحافة على أصحابها والمشتغلين بها رغم كونه واحد منهم بل من أبرزهم

Ø الأسلوب المشوّق المثير الجذاب ,عدم الإطالة في الموضوع الواحد , والانتقال من موضوع لآخر حتى لا يملّ القارئ , استعمال المحسنات البديعية خاصة الطباق والمقابلة , الاستعانة بالثنائية في المبادئ والأحكام والأفكار ... كلّ هذه الأساليب استعملها في الظلال واستعملها قبل ذلك في مقالاته الصحفية ...

رابعا :الجانب العلمي

المقصود بالجانب العلمي مرحلة تعلم سيد وتعليمه ووظيفته في الوزارة التي لم تَخرُج عن الإشراف وعن مراقبة العلم والتعليم , وكذا حياته الفكرية خارج الصحافة

لقد بدأ سيد تعليمه الابتدائي في مدرسة غلب عليها الاتجاه الإصلاحي التنويري أحاطه القائمين عليها برعاية خاصة لما لاحظوه فيه من النبوغ المبكر والحدّة في الذكاء والنشاط والقوة في الحفظ وهي كلّها علامات جعلتهم يتنبئون (يتنبؤون) لهذا الصبي بمستقبل في الميدان العلمي مرموق

حفظ سيد القرآن وعمره لا يتجاوز العشر سنين , وقصة حفظه قصة شيّقة تحمل في طياتها دلائل الزعامة والشجاعة والتحدي [14]

تعلق سيد منذ طفولته الأولى وشغُفَ بالمطالعة , فكانت له مكتبته الخاصة , بعض كتبه كتَبَها بيده كتلك التي كان أستاذه ومدير مدرسته يعيرها له جمع لأجلها كلّ الأوراق البيضاء الموجودة في كرّاساته للسنوات الماضية وجعل منها كراسة كبيرة كتب فيها ديوانا للشعر ومقدمة تاريخية ...

وكان من أصدقائه ـ على صغر سنّه ـ شيخٌ كُتُبيّ أي بائع للكتب يدعى العَمُّ صالح يأتي دوريا إلى القرية ويعرض عليهم جديد المجلات والكتب وكان سيد زبونا وفيا وممتازا عند لدى كان العمّ صالح يدّخر له أحسن وأخطر الكتب , وكان سيد يوفر مصروفه اليومي ويجمعه لأجل شراء الكتب فإن لم يكفِه المصروف استعانَ بأمه وأبيه ولم يكونا يبخلان عليه بالمال من أجل العلم والمعرفة , وكانت مكتبته تلك متكونة من كتب شتى فبعضها ديني وبعضها أدبي وكثير منها قصصي من نوع القصص الذي يحبه الأطفال ويميل إليه الشباب والصبيان كقصص أبي زيد ودياب بن غانم والزناتي خليفة والقصص البوليسية كشارلوك هولمز واللص الشريف ... وغيرها

وقد علت مكانته بين سكان قريته وصاروا يكبرونه ويجلونه ويقدِّرونه لما رأَوْا فيه من الاهتمام بالعلم والتمكن فيه فهو على صغر سنه أكثرهم قراءة واهتماما بالعلم والكتب فكان كثيرا ما يتولى بدل والده مهمة قراءة الصحف والمجلات لأهل القرية المجتمعين في بيتهم

ثم سافر للقاهرة سنة 1920 والتحق بمدرسة المعلمين الأوَّليّة سنة 1922 وتخرّج منها سنة 1924 حاملا "إجازة الكفاءة للتعليم الأوّلي" ونظرا لتفوقه سُمِح له بمواصلة الدراسة عن طريق الانتساب إلى "تجهيزية دار العلوم" التابعة لكلية دار العلوم سنة 1925 ليتخرج منها بعد أربع سنوات أي سنة 1929 , وممّا كان يدرس فيها : اللغة العربية , الفقه , الدين الإسلامي , القرآن والتفسير والحديث , علم الحياة "البيولوجيا" , التاريخ والجغرافيا , نظام الحكومات , الرياضيات , العلوم الطبيعية , الرسم , الرياضة البدنية .

ثم التحق بكلية دار العلوم ليتخرّج منها سنة 1933 حاملا شهادة "الإجازة العالية" ( الليسانس ) في اللغة العربية وآدابِها , وممّا درسه سيد في دار العلوم : العلوم الشرعية على اختلاف أنواعها وأقسامها , علوم العربية , المنطق وعلم الكلام والفلسفة , اللغة العبرية , اللغة السريانية , ومقارنتها باللغة العربية , التاريخ , الاقتصاد السياسي ....

وكانت الكلية تصرف لطلابها كتبا غير الكتب المقررة للفائدة والاستزادة من العلم والمعرفة مثل : "الأمالي" و"العقد الفريد" و"الكامل" للمبرد و"القاموس المحيط" و"فقه اللغة" للثعالبي ...

وممّا يمكننا تسجيله خلال مرحلة دراسته في كلية دار العلوم ولعله يفيدنا في بيان أثر بيئته ومحيطه على تفسيره وفكره ما يلي :

ü انتقاداته لمناهج التعليم واقتراحه تعديلها وهو لا يزال طالبا فيها فهو يقول في رسالة موجهة للدكتور طه حسين :"ولقد سبق لي أن صرحتُ بها وأنا طالبٌ في المدرسة منذ ست سنوات , وقد قدمتُ بها اقتراحات , ضمنتهُا برامج كاملةً للدراسة في المدرسة , إلى صاحب العزّة ناظرها , واقترحتُ أن تكونَ المدرسة تجهيزيةً خاصة , تُدرَّسُ بها اللغة الإنجليزية منذ أوّل سنة , وتتوسع في دراسة العربية وعلوم الدين , فتهيّئ بذلك للقسم العالي , على أن تستمرّ دراسة الإنجليزية في هذا القسم , ويُتَوَسّعُ في دراسة اللغة العبرية وفي علوم التربية , ويُخْلقُ درس النقد الفني بجانب تاريخ أدب اللغة الذي يدرّس الآن , وتزادُ سنواتُ الدراسة بالقسم العالي إلى ستّ سنوات , وتنتهي بتقديم رسالة , ويستقلّ مجلس إدارتها بتسيير نظامها " [15]

ü تسييرها للنقاشات داخل دار العلوم بين الطلبة وتزعمه للفريق الذي كان يرى رأيه ومن أشهر هذه النقاشات الحادة حملته ضدّ المؤيدين لأدب الرافعي وعلى رأسهم الأستاذ الشيخ محمود شاكر

ü كان يلقي الدروس والمحاضرات التي يحضرها طلاب المعهد وأساتذته ويستفيدون منها ويمدحون صاحبها ويثنون عليه وعلى محاضرته

ü مخالفته لأساتذته ومناقشتهم ومعارضتهم في كثير من المسائل العلمية الأدبية والنقدية وكنموذج على ذلك نورد هذا المثال: ألقى محاضرة في مدرج الكلية عن "مهمة الشاعر في الحياة" وممّا جاء فيها انتقاده الشديد لأحمد شوقي بصراحة وجرأة كبيرتين فاستدرك عليه أستاذه "محمد مهدي علاّم" قائلا ومعلقا :"ولا أترددُ هنا في أن أعلن أنه قاسٍ على شوقي قسوةً لا أغفرها له . لقد نقَّبَ في شعرِ شوقي , حتى أخرج منه سقطات , لا يسلم منها فحلٌ من فحول الشعراء , في أيّ عصر , أو في أية أمة . وليس ذلك من الإنصاف لأنّ لشوقي كنوزا عظيمة من الشعر الخالد , كان جديرا بالمحاضر أن يضعها في كفّة , وتلك السقطات في كفّة أخرى. ولستُ أشكُّ في أنه إنْ فعلَ , رجّحَ كفة الحسنات ترجيحا"[16] يردّ سيد على أستاذه بكلام لولا أدب سيد وتواضعه لَمَا استطعنا التمييز فيه بين التلميذ والأستاذ يقول عليه رحمة الله :"مع احرامي الكثير لما ذكره أستاذي عن شوقي . إني أميل إلى أنْ أقرر : أنني فيما ذكرته في محاضرتي , لم أكن بصدد إصدار حُكم على شوقي وإنّما اخترتُ أمثلةً من شعره , وإذا كنتُ قاسيا في تعليقي , فتلك قسوةٌ على المثال الذي اخترته , لا قسوة على شوقي نفسه . وإنْ كان رأيي في شوقي كلِّه , بعد دراسةٍ كاملةٍ لكلّ ما أنتجه لا يختلفُ كثيراً عن تعليقي على الأمثلة المختارة . وبهذه المناسبة , أعدُ بأنْ أكتبَ نتيجةَ دراستي لشوقي في محاضرة أو كتاب آخر, يتّسع للبحث والدراسة والاستقصاء , ويكون رأيي إذ ذاك مؤيدا بكل ما أنتجه شوقي بلا استثناء . وأنا أعود فأشكر لأستاذي الفاضل , أن حفّزني إلى إخراج مبحث جديد" [17]

ü من نشاطاته خلال هذه المرحلة محاولة الجمع بين طلاب المشرق العربي ومغربه في شكل جمعية طلابية وقد كان يلتقي مع العلامة المغربي مكي الناصري في "بيت المغرب" الذي اهتم بهذه الفكرة وعمل مع سيد على تجسيدها...

ü في سنة 1933 كان سيد من المؤسسين الأوائل لجماعة دار العلوم ومجلتها الفصلية "دار العلوم" نشر فيها سيد مجموعة من المقالات العلمية والأدبية ...

ü اشتغاله بالتربية والتعليم مدة طويلة

ü انتقاله للوزارة حيث تعامل مع رجالات الدولة والسلطة والحكم وتعرّف عليهم وعلى طريقتهم في العمل من قرب

ü انتقاده كعادته لمؤسسة التعليم في جميع مستوياتها وتقديمه للوزارة برنامج إصلاحي مفصّل

وننتقل الآن إلى الحديث عن بعض مميزات فكره ومعالم شخصيته وتفسيره التي نظنها انعكاسات وتأثر بهذا الجانب من حياته ومحيطه نذكرها في شكل نقاط دون التوسع في شرحها وبيانها :

Ø الاتجاه الديني الإصلاحي التنويري المبكر

Ø حبّ الاطلاع وسعة ثقافته ومجالات معرفته

Ø اهتمامه بالجانب العملي التطبيقي من العلم

Ø مواقفه التأسيسية التجديدية

Ø جنحه نحو الإصلاح والتغيير

Ø استعداداته المبكرة لخوض المعارك والتحديات

Ø لم يبتعد سيد عن العلوم الدينية وعن القرآن ابتعادا كليّا أبدا حتى في أظلم وأحلك مراحل حياته

Ø الجرأة في التصريح بمواقفه وأرائه

Ø ثقته في نفسه

Ø النقد عموما والنقد الذاتي على وجه الخصوص فهو ينتقد كلّ ما لا يرضى عنه وممّا ينتقده دائما المؤسسات التي ينتمي إليها والطريقة والمنهج الذي يسير عليه إمّا تلميذا أو طالبا أو معلما أو إداريا

خامسا : عالم النقد والأدب

الأدب هو الأخذ من كلّ شيء بطرف ؛ وقد أخذ سيد عليه رحمة الله من كلّ شيء بطرف من خلال تجاربه الواسعة ومعارفه وثقافته المتنوعة ثم ترجم كلّ ذلك في نتاج أدبي بديع في مقالاته الرائقة وكتاباته الشيقة

خابر سيد الفلاحة والزراعة ومعالجة المواشي والتعامل مع الفلاح ورجل الريف , كما خابر السياسة شارك في مختلف أحزاب المعارضة بل وعاين رجال السلطة وشارك في صنع القرار , لا تقوم ثورة في مصر إلاّ وكان من رجالها وأبرز المشاركين , جال وصال في مجالات الصحافة محررا مراسلا رئيسا ومديرا , علّم ودرّس ردحا من الزمن , سافر إلى مختلف الدول العربية كما سافر إلى الغرب إلى أمريكا روما الجديدة زعيمة العالم الحرّ كما يسمونها , أحبّ مرتين ؛ الحبّ الأوّل الذي يبقى مرسوما في الذاكرة مهما طال الزمن ومت السنون , وحباًّ عميقا صادقا حالت ظروف الواقع والحياة دون ترجمته إلى زواج وعقد نكاح فبقي أثره مرسوما خالدا لكن في القلب هذه المرة , بل لقد ذهبت بسيد التجارب والخوض في كلّ شيء بشجاعة وجسارة أن كان في صغره ويا للعجب !! يكشف عن البخت والطالع بفضل كتاب كان عنده اشتراه من الكُتُبي العمّ صالح ويحكي عن نفسه في "طفل من القرية" أنّ هذه التجربة مكّنته من دخول البيوت والاطّلاع على أسرار العائلات وخباياهم فإنّ النسوة لصغر سنّه كنّ يطلعنه على ما لا يطلعن غيره , ثم تجربة السجن والابتلاء والتعذيب ..... وغيرها من التجارب في مختلف مجالات الحياة , لم تتوقف قطّ من الصغر إلى أن لقي الله شهيدا نحسبه كذالك .... كلّ هذه التجارب المتعددة والمتنوعة جعلت منه الأديب البارز الكبير والشاعر الفحل العظيم ورائد النقد وزعيمه ......

ولنحاول الآن السير مع سيد وتتبع مجريات حياته من هذه الحيثية لعلنا نجد فيها أصولَ منهجه ومنطلقات فكره وكلّ ما أثّر فيه وفي تفسيره في شكل نقاط ولمحات وجيزة ...

ü توجّه سيد نحو الأدب بدأ مبكرا في مراحل تعليمه الأولى فقد كان لأستاذه الأول ومدير مدرسته دوره البارز في وجهته تلك من خلال الكتب التي كان يعيرها له ... ثم خاله الذي سكن عنده في القاهرة والذي عرّفه بالعقاد وأدخله صالونات الأدب ونواديه ومن ثَمَّ راح سيد يتصل بالكتاب والشعراء وينهل من معينهم أوّلا ثم سرعان ما استقام عوده وبدأ ينتج ما يضاهي إنتاجهم لا بل قد يفوقه ويتفوق عليه ثم اهتم بالنقد الأدبي واشتغل به حتى سبق أقرانه وتقدم عليهم فيه

ü من أوائل الأدباء الذين اتصل بهم سيد عباس محمود العقاد وكان أكثر الأدباء تأثرا به فقد قرأ موسوعته المكتبية جميعها وكان يحضر ندوته الأسبوعية والتي كان يعقدها صبيحة كلّ جمعة بدأ حضورها مطلع العشرينات واستمر في حضورها أكثر من ربع قرن من الزمن وعلاقة سيد بالعقاد تحتاج إلى بحث مطوّل خاص فقد بدأها بالتأثر به إلى درجة اعتبره سيد شعراء الأولين والآخرين وزعيم الأدب في القديم والحديث أخذ بمذهبه في الشعر والأدب والنقد والفكر والسياسة وفي كلّ مناحي الحياة ... واستمر على هذه الحالة ما يقارب ربع قرن من الزمن لكن سيد كعادته يقوّم نفسه يقوّم منهجه يقوّم شيوخه كما يقوّم المؤسسات والمنظم إليها والأفكار التي يتبناها في كلّ زمن وحين وهذا ما جعله ينفصل عن العقاد بعد ذلك وعن فكره ونهجه ليتوجه الوجهة الإسلامية ..

ü الاهتمام والاشتغال بالنقد الأدبي مخلصا في عمله ومهمته متقنا لها أيّما إتقان لا يحابي أحدا فيما يعتقد ولا يقبل مساومةً ولا إغراءً من شأنه أن يحيد به عن قول الحقّ وبيان ما يريد بيانه يقول عليه رحمة الله مبينا طريقته في النقد كما جاء ذلك في مجلة الأسبوع سنة 1937 أثناء معركته النقدية مع جماعة أبولو :"أريد أن أقصَّ على القراء أحاديث دارت بيني وبين بعض الناس , ومحاولاتٍ بُذلت معي من بعض الأدباء , حتى أتأثر في نقدي للكتب والدواوين , بهذه المؤثرات , ويأخذني الإغراء بهذه المغريات . ولقد سمعتُ بهذه الأحاديث , وأنصتُ لتلك المغريات , وابتسمتُ لهذه وتلك على السواء , وسخرتُ بأصحاب هذه وتلك . ومضيتُ لنقدي لهذه الكتب والدواوين في صفحة الأهرام الأدبية على ما رسمتُ لنفسي من خطة , وعلى ما جمعتُ لنفسي من ملاحظات , في أثناء دراستي لتلك الكتب والدواوين."1 وعن خطّته يقول :"وكان من أوّل هذه المبادئ , أن أنفيَ الأشخاص من دائرة تفكيري , وأن ألتفتَ إلى ما بين يديّ من كتاب . كما كان منها ألاّ أكتب كلمةً واحدة , قبل أن أدرس ما بين يديّ , دراسة كاملة مستوفاة . إذ كنتُ أعلمُ ماذا يصنعُ نقّاد الكتب , من قراءة العنوان والمقدمة والفهرست , ثم إصدار الأحكام "[18]

ü من جملة الأدباء الدين اتصل بهم سيد وكانت له معهم جولات أدبية ونقدية مواجهات أو موافقات : طه حسين , أحمد حسن الزيات , عبد القادر حمزة , أحمد زكي أبو شادي , توفيق الحكيم , إبراهيم عبد القادر المازني , يحيى حقي , محمود تيمور , محمد مندور , عبد الحميد جودة السحار , أحمد أمين , عبد المنعم خلاف , عباس خضر , علي الطنطاوي , أنزر المعداوي ونجيب محفوظ وغيرهم فمن شأن هذا الكم الهائل من الاتصالات أن يجعل لسيد رصيدا لا بأس به في معرفة نفسية الأدباء ونماذج من مفكري مصر وصناع قراراتها وموجهي أفكارها ...

ü سيد قطب والأستاذ مصطفى صادق الرافعي : يعتبر جلّ الإسلامين الأستاذ الرافعي "أديب الإسلام المدافع عن القرآن والإسلام واللغة والأدب والأخلاق والفضائل ويعتبرون أدبه إسلاميا قرآنيا رفيعا فريدا فصيحا ويعتبرون كلّ من ينقد أدبه مخالفا للدين محاربا للحقّ متبعا للباطل!" يقول سيد عليه رحمة الله: " ...لي رأيٌ في المرحوم مصطفى صادق الرافعي , لعل فيه شيئا من القسوة , وكنت على ثقة أنّ هذا الرأي لم يتدخل في تكوينه عندي أيُّ عاملٍ خارجي , وإنّما كان نتيجةً لعدم التجاوب بين آثاره الأدبية وبيني ......الرافعي أديبٌ مُعْجِب , في أدبه طَلاوة وقوة ولكنه بعدُ أدبُ الذهن لا أدب الطبع . فيه اللمحات ُ الذهنية الخاطفة واللفتات العقلية القوية التي تلوح للكثيرين أدبا مُغْربا عميقا لذيذا , ولكن الذي ينقُصها أنه ليس وراءها ذخيرةٌ نفسية ولا طبيعةٌ حية .... وكثيرا ما يختلط أدبُ الذهن وأدب الطبع , إذا كان مع ذكاءٍ وقوة , وما من شكٍ أنّ الرافعي كان ذكيا قويّ الذهن لكنه كان مغلقا من ناحية الطبع والأريحية " [19] ولقد انتُقِد سيد على موقفه هذا واعتبره الكثيرون موقفا معاديا للإسلام اتخذه مجاراة وتقليدا لشيخه العقاد لا غير وزعم بعضهم أنّ سيد تراجع عن موقفه هذا بعد عودته للفكر الإسلامي القويم . والحقّ أنّ انتقاد سيد للرافعي كما جاء مبينا أعلاه كان انتقادا أدبيا فنيا لا علاقة له بالمعتقد ولهذا بقي على رأيه فيه حتى أواخر حياته فقد كتب الأستاذ أحمد الشرباصي في بداية الخمسينات مقالا اعتبر فيه أنّ أسلوب الرافعي مستمدٌّ من أسلوب القرآن التصويري , وأنّ الرافعي يعبِّر بالصورة الحسية عن المعاني الذهنية . فردّ سيد على هذا الكلام بقوله :"لا أذكر أنّ هذا كان مأخذي على أسلوب الرافعي , بل أذكر أنه كان العكس , فقد آخذتُ عليه : الألاعيب الذهنية في التعبير , والجُمَلَ التي ينبعُ ذيلُها من رأسها والعكس والتي يحسبها القارئ ماشيةً "تَتَقَصَّعُ" وتضع يديْها على خَصْرها على الطَّرس , وليس شيء من هذا كله بسبيل , من ذلك الأسلوب القرآني "[20]

ü ولقد كانت له مواقف مماثلة أو أشدّ مع طه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم يصرح بما يعتقده ويراه صوابا حتى وإن خالفه الجميع

حتى وإن أوكلت له التُّهم ورمي بمختلف النقائص في سبيل ذلك

ü المعارك النقدية والأدبية التي خاضها عليه رحمة الله: وقبل الحديث عنها وعن بعض نماذجها لنسُق بعض أسباب خوضها كما ذكرها الدكتور الخالدي :

1. الدفاع عن أرائه النقدية والأدبية

2. تنشيط حركة الأدب والنقد في الأوساط الأدبية وإزالة حركة الركود ...

3. حبُّ الظهور والرغبة في الشهرة والحرص على إثبات وجوده في الساحة الأدبية والنقدية ولفتُ الأنظار إليه والدعوة إلى ما يؤمن به ...

4. تقليد أستاذه الأوّل العقاد الذي خاض كثيرا من المعارك والمساجلات الأدبية

5. تبني أراء وأفكار أستاذه العقادو ومحاربة مخالفيه والثناء على العقاد ومدحه والإشادة به ومهاجمة معارضيه وخصومه...[21]

ولقد كان أسلوبه في هذه المعارك قويا حادّا عنيفا يستعمل عبارات فيها شيء من الشدّة والقسوة حتى لتكاد تقترب من الشتائم والسباب ...

من أشهر هذه المعارك:

1. معركة المنبرالحر 1934

2. معركة مع الرافعيين 1938

3. معركته مع الدكتور محمد مندور حول الأدب المهموس 1934

4. معركته مع عبد المنعم خلاف حول التصوير الفني في القرآن 1944

5. معركته مع دريني خشبة 1943

6. معركته مع صلاح ذهني 1944

7. معركته مع إسماعيل مظهر 1946

8. معركته مع شيوخ الأدب 1947

ü وفي وسط الأربعينيات أو أواخرها تحول سيد من القائلين بأنّ الأدب ينبغي أن يقتصر هدفه على ذات الأدب والفن لا غير إلى القول بأنّ الأدب ينبغي أن يخدم الحياة ويخدم الإنسان ويخدم العقيدة

ولننتقل الآن إلى تسجيل بعض آثار هذه المرحلة وانعكاساتها على فكر سيد وعلى منهجه وتفسيره :

1. التغير التطور في المواقف والأفكار

2. روحه النقدية

3. النقد الذاتي

4. القوة والشدة والحدة والحماسة في النقد

5. الصدق فيما يعتقده ولم يكن يرضخ أبدا للمساومات والإغراء

6. إخلاصه للمناهج والأفكار التي كان يتبناها ودخوله فيها بكلّ ما فيه وكذلك فهم الإسلام ودخل فيه

7. اتجاهه نحو التغيير والإصلاح

8. التجديد في عالم النقد والأدب

9. خوضه معارك حقيقية , معارك نقدية وأدبية ميدانه الورق وسلاحه القلم وكذلك سوف يفعل في تفسيره الحركي سيخوض مع القرآن معارك في مجالات عدة ونواحي شتى في النفس في المجتمع في الأسرة في التنظيم في الفكر ....

سادسا : المحيط السياسي الوطني وعلاقته بالأحزاب والجماعات

الثورية

تلبُّس سيد بالثورة والسياسة بدأ قديما, بدأ وهو لا يزال طفلا صغيرا لا يعقل كثيرا ممّا يسمع ويرى فقد وجد نفسه في عائلة ربّها منظم للحزب الوطني[22] فسار في عقبه والتزم بخط سيره , وقد كان يرى اجتهادات والده السياسية في قراءة صحيفة الحزب لأهل قريته وفي جعله من داره منتدى للحزب والعمل السياسي داخل القرية كذلك ثم ما لبث سيد أن صار هو قارئ الصحيفة وشارحها لمن يكبره سنّا بدل أبيه ...

لم تنحصر السياسة و تقتصر في عالمِ طفولةِ سيد على الوالد الكريم الذي أقلّ ما يقال عنه أنّه كان متواضع الثقافة بل لقد التبس بها أعلم أهل القرية أستاذ سيد ومدير مدرسته وكان على نفس نهج والده هذا ما زاد سيدا التزاما بنهجه السياسي وساعده أن لم يجد في محيطه الأوّل اختلافا يصعِّبُ عليه فهم دقائق السياسة ...

ثم جاءت ثورة 1919 شارك فيها أهل القرية كلّهم بزعامة والده الذي قاد فلاحي القرية ... وأستاذه الذي أغلق أبواب المدرسة ... أما سيدا فقد كان بحقٍّ خطيبها إذ اعتلى منابر الخطابة يومها دون أن يطلب منه ذلك أحد فقد خطب في زملائه داخل المدرسة وببيته في فلاحي القرية وأصدقاء أبيه وراح يجول شوارع القرية يحرض على الثورة ويرغِّب في الانتفاضة ....

وبعد انتقاله للقاهرة سنة 1919 انضم إلى حزب الوفد[23] الحزب الأكثر شعبية آنذاك ولعل سبب الانضمام هي إقامته عند خاله الوفديّ ثم تأثره بالعقاد الوفديّ كذلك

وبقي في الوفد إلى غاية فبراير 1942 لمّا وقع نوع من التحالف الوفدي البريطاني[24] فانسحب وانضمّ للسعديين [25] وبقي معهم إلى غاية 1945 حيث نقم من الحياة السياسية ومن الأحزاب جميعها وحينها صرخ في وجههم بقوله : "عدّلوا برامجكم أو انسحبوا قبل فوات الأوان" وقال فيما قاله كذلك : "... هذا القلم ليس لحزب من الأحزاب فقد بات صاحبه لا يرى في الأحزاب إلاّ أقزاما , بعد أن خلا الميدان من كلّ جبّار, فهو بهذا يتوجّه إلى مصر الخالدة وهي أخلد وأسمى ..."

بعد ذلك بقي يهتم بالسياسة فيما يكتب في المجلات والصحف, يقترح وينتقد وكان من ألدّ أعداء الملكية حتى أنّ الملك فاروق أوعز لمن يحاول قتله فرمي بالرصاص غير أنّه أخْطِئ عليه رحمة الله ....

وفي بداية الخمسينات بعد عودته من أمريكا شارك في الثورة ثورة الضباط الأحرار حتى كان هؤلاء يزعمون أنّه منظرهم الأول وقائدهم الروحي ...

ويبدو أنّ مشاركته ابتدأت أولا من خلال مقالاته العنيفة والشديدة والتي كانت تجد إقبالا واسعا واهتماما كبيرا لدى جماهير القراء ومنهم تنظيم الضباط الأحرار والذي كان في أوّل أمره تنظيما إخوانيا خالصا... يقول الطاهر أحمد مكي في مجلة الهلال : " لقي كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" إقبالا وترحيبا , وكان من الكتب التي تركتْ تأثيرها واضحاً في فكر الضباط الأحرار , ومن أوائل الكتب التي قرؤوها , قبل أن تقوم الثورة نفسها أو بالدقة عام 1951 فقد طلب مني الكتابَ صديقٌ له قريبٌ ضابطٌ في الجيش , ثم عادَ ورجاني أن أدلَّه أين يباع , فهو بحاجةٍ إلى أكثر من نسخة , وكان هذا الضابطُ هو البكباشي "إبراهيم عاطف" الذي انتخبه الضباط سكرتيرا لناديهم مع محمد نجيب إبّان تحدّيهم للقصر الملكي "[26] وقد أطلقوا على سيد اسم "ميرابو الثورة" تشبيها له بميرابو مفطر فرنسي كان له دور كبير وهام في التمهيد للثورة الفرنسية

أما عن المشاركة الفعلية العملية فيروي سليمان فياض في مقالِه "سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين" في مجلة الهلال , عن زيارة لسيد في حلوان , بعد قيام الثورة , وينقل هذا الحوار الذي دار بينه وبين سيّد قطب في حديقة منزله :

سألته عن رأيه في الثورة . ابتسم وقال لي : هنا تحت هذه الشجرة , كان الضباط الأحرار يعقدون بعض اجتماعاتهم معي , في فترة التمهيد للثورة ثم دخل سيد البيت , وعاد يحمل مظروفا , أخرج منه صوراً وأخذ يريها لي , واحدة واحدة , وكان هو في كلّ صورة وتحت هذه الشجرة وكانت كلّها صورا ليلية أخذت على ضوء "الفلاش" وفي كلّ صورة كان هؤلاء الضباط الأحرار , وهو بينهم أبداً واسطة العقد !! ولما رددتُ إليه آخر صورة قلتُ : لا أرى بينهم محمد نجيب ؟ قال: هذا جاءوا به واجهة للثورة , الرتبة العسكرية لها حساب ! ثم أشار إلى صورة جمال عبد الناصر , وقال: هذا هو قائد الثورة الحقيقي , يتوارى الآن وراء نجيب وسيكون له شأنٌ آخر! قلتُ له: أراضٍ أنت عن هذه الثورة ؟ قال: لا أجدُ في تطوُّر أمورها ما يريح ! فهؤلاء الأمريكان يحاولون اختواءها بدلاً من الإنجليز! أفهم ما أعنيه "[27]

ويقول أحد الضباط الأحرار محمود العزب من بور سعيد :"إنّ رائدنا وأستاذنا سيد قطب هو الذي رعى الثورة , جنينا فوليدا . وأمرنا أن نستعد له ... إنّ الجيش لا يمكن أن ينسى أنّ سيد قطب هو "أبو الثورة" وأبو الثوار , وتواضعه يزيدنا تعلُّقا به وإكباراً له" ثمّ يضيف فيقول :"قُبيل الثورة بأيام تلقينا من الأستاذ سيد قطب أمراً , بأن نكون على استعداد , وكنتً على رأس تنظيم الإخوان المسلمين في بور سعيد , ولما تلقيتُ الأمرَ حضرتُ إلى القاهرة , ومضيتُ إلى منزل الأستاذ سيد وكان ذلك في يوم 19 يوليو 1952 وكان لديه بعض قادة الثورة ـ منهم البكباشي جمال عبد الناصر ـ وذكر لي الأستاذ سيد أنْ أكون أنا ومن معي على أهبة الاستعداد , وأن يكون المسلمون المدينون على استعداد أيضا , فإذا سمعنا بقيام الثورة كنّا حماتها , وحفظة الأمن في بور سعيد . وحذّرَنا من سفك الدماء"[28]

أما بعد الثورة فيقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار: "بلغ من احترام الثورة لسيد قطب , وعرفانها بجميله وفضله , أنّ كلّ أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا ملتفين حوله , ويرجعون إليه في كثير من الأمور , حتى إنه كان المدني الوحيد الذي يحضر جلسات المجلس أحيانا , وكانوا يترددون على منزله في حلوان" [29] ويذكر أيضا أنّ رجال الثورة اقترحوا عليه وزارة المعارف فاعتذر واقترحوا عليه مديرية الإذاعة فالعذر كذلك وقبل في آخر المطاف على منصب السكرتير العام لهيئة التحرير ثم سرعان ما استقال من منصبه ذاك [30] ويؤكد عادل حمودة أنّ سيدا كان له مكتب مبنى مجلس قيادة الثورة وأنّه أوكلت إليه وإلى الأستاذ محمد سعيد العريان مهمة تغيير وإصلاح مناهج التربية والتعليم ويذكر محمد قطب أنّ سيدا كان مستشارا للثورة في الأمور الداخلية (ولعله نفس منصب رئاسة التحرير المتقدم ذكره) [31] ويذكر سيد نفسه أنّه كان يشتغل معهم بعد انتصار الثورة مباشرة حوالي اثني عشرة ساعة في اليوم الواحد[32]

وبعد شهر من قيام الثورة أقام الضباط حفلا تكريميا لسيد في نادي الضباط بالزمالك هو عبارة عن محاضرة ألقاه سيد بعنوان "التحرر الفكري والروحي في الإسلام" وكان من المقرر أن يفتتح الحفل الرئيس محمد نجيب إلاّ أنه غاب لأعذار ذكروها فبعث برسالة مع أنور السدات جاء فيها اعتبار سيد رائد الثورة ومعلمها وراعيها

وممّن كان حاضرا وألقى كلمة يومها طه حسين جاء فيها التنويه بفضل سيد على الثورة وأنّ في سيد خصلتان هما المثالية والعناد وأنّ سيدا قد انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة , وكذلك في خدمة مصر والعروبة والإسلام!

وممن حضر الحفل جمال عبد الناصر وقد انتقد سيد في هذا اللقاء بعض اختيارات الضباط وذكر فيما ذكر أنه مستعد لكل شيء بما في ذلك للسجن إن اضطر لذلك فصاح جمال عبد الناصر يومها أن لن يكون ذلك إلاّ على جماجمنا وأرواحنا أو كما قال .....

ولقد حاول سيد الإصلاح بين رجال الثورة والإخوان ولكن بعد جهد جهيد انتهى به المطاف إلى مفاصلة الضباط والانضمام للإخوان ...

ومن خلال هذه الجولة مع نشاطات سيد الحزبية والثورية نقف عند بعض ما نراه قد أثّر في فكره منهجه وتفسيره :

· عاش مع أمته يهتم بشؤونها عاملا بشتى الوسائل من أجل إصلاحها إنقاذها وخلاصها

· عاش حياة كلها معارك في التصورات والعقائد والأفكار

· دائم البحث عن الأفضل والحقيقة والصواب

· التراجع عن مبادئه وأفكاره في أيّ وقت وبدون أيّ عقدة إذا تبيّن له أنها باطلة وخاطئة

· النقد الذاتي ونقد كلّ ما يراه مخالفا للحق والصواب

· القوة والشدّة والحماسة في التعامل مع المخالف

· مصاحبة رجال السلطة وصناع القرار ما ساعده على أن يؤسس ويكون تصورا حقيقيا وواقعيا لهم ما مكّنه من إصدار أحكام صائبة وصحيحة في ظلاله

· الاطّلاع على المؤامرة المحاكة ضدّ الإسلام والمسلمين من داخل العالم الإسلامي ومن خارجه

· اعتماد أسلوب الثورة والقتال كوسيلة للإصلاح والتغيير

سابعا : أمريكا

للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي كتاب خاص بالموضوع عنوانه: "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب" طُبِع أوّل مرة سنة 1985 وأعيد طبعه لغاية 1989 خمس مرات وجلّ مادة هذا البحث منه منقولة من كتابه الذي اعتمدناه مصدرا "سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد" من الصفحة 191 إلى الصفحة 211

لقد شاء الله عزّ وجلّ لهذا المفسّر والأديب والمفكر والداعية الإسلامي أن يتعرف على أمريكا وهي تمثل اليوم ذروة سنام الجاهلية ورأس الكفر والطغيان ومصدر التمرد على الأعراف ووكر الفساد في القيم والأخلاق

وقد اختلفوا في سبب ذهابه وإيفاده إلى أمريكا لكن يبدو أن جهات مختلفة ومتعددة كانت تريد إبعاد سيد عن الساحة خاصة بعد أن أسفر وأبان عن اتجاهه الإسلامي...

فالقصر يريد التخلص من انتقاداته اللاذعة ومن عداءه للملكية وللتواجد الأجنبي بمصر

والحكومة كذلك معاركها معه لا تنتهي وآخرها انتهت بغلق مجلة "الفكر الجديد"

وانتقاداته المتكررة والمتواصلة داخل الوزارة سواء منها الانتقادات المنهجية أو السلوكية وآراؤه الإصلاحية والتجديدية قد ضاقت بها صدور رؤسائه ... فلم يعودوا يتحملوا شيئا من ذلك وليس أنفع للجميع من إرساله إلى أمريكا يتخلصون منه بعض الوقت ولعله يتغير فكره كما تغير فكر من أرسِل قبله كصاحب "أصول الحكم" و "الأدب الجاهلي" وغيرهم

أو لعله يلقى من الغواية ما يوهن من قوته ويخفّف من حدّته .....

سافر سيد على ظهر باخرة من الإسكندرية إلى نيويورك يوم 3 نوفمبر 1948 وقد وقعت له في سفره هذا حوادث وتأملات ذكرها في مختلف كتبه منها تفسيره ... نوجز ونلص بعضها ممّا نظنّ أنّه قد يكون أثرّ في تحديد منهجه وفكره الجديد بل لعله السبب المباشر نحو التوجه إلى الله بصدق , التوجه إليه بكلّ ما فيه وليس مجرد تأملات وخواطر واعترافات يسجلها في كتاب أو مقال...

ü التفكر في نعمة الله عليه وعلى الناس أجمعين لمّا رأى تسخير هذا البحر المهول يقول عليه رحمة الله: "ما أحسستُ ما في هذه اللفتة من عمق , قدر ما أحسستُ ونقطةٌ صغيرة في خضمّ المحيط, تحملنا وتجري بنا والموج المتلاطم والزرقة المطلقة من حولنا والفلك سابحةٌ متناثرة هنا وهناك ... ولا شيء إلاّ قدرةُ الله وإلاّ رعاية الله وإلاّ قانون الكون الذي جعله الله يحمل تلك النقطة الصغيرة على ثَبجِ الأمواج وخِصَمِّها الرهيب "

ü ذات ليلة وقف متأملا متفكرا يقول: "...أحسستُ هذه الموسيقى العلوية الشاملة ... موسيقى الوجود . مرة وأنا في عرْش المحيط , والباخرة تمرُّ مرّ الريح على وجه الخضم والنسيم رخاء والليل ساكن والقمرُ مفضفضُ اللألاء... والثانية وأنا على قمة جبل تشرف على حديقة من الصخور يسمونها هنا [سان فرانسيسكو] حدائق الآلهة وقد انكشف المرتقى والمنحدر كلاهما , واعتنقنا عند تلك القمة الشاهقة في الفضاء .. لست أدري كيف أحسست ولست أدري كيف أقول , إلاّ أنّ تعبيرا واحدا انساب على لساني في تلك اللحظة التي أوْمضتْ في روحي كما تومِضُ الشعلة , فتكشفُ الطريق إلى بعيد ثم تغيب , تعبيرٌ واحدٌ أحسستُ فيه كلَّ ما فاض على خاطري في تلك اللحظة من قدسيةِ وشفافيةِ وتسبيحِ موسيقى الوجود ..." ثم قال معلقا على هذه المشاهد والتأملات "كلا إنّها ليست لُقىً هذه الحياة ولا وليدة المصادفة العمياء ... كلا إنّ هناك نَغَماً واحدا سارباً في هذا الكون كلّه , ولكن الآذان لا تسمعه في كلّ آن . وإنّ هناك نسقا واحدا يضمُّ الأشتات ولكن العيون لا تبصره في كلّ اللحظات ... هل خدعتني الأوهام ؟ وكذبتني الأحلام ؟ كلاّّ فإنّي لا أكذّبُ ما تلمسه يدي وما تراه عيني وما تسمعه أذني ولا أكذب مسَّ هذه اللحظة الخاطفة لروحي وإشراقها في ضميري ..."[33]

ü محاورته لنفسه ؛ محاورة حددت موقفه من أمريكا قبل الوصول إليها بل وحددت موقفه من الحياة كلّها فيما سيأتي من الأيام يقول عليه رحمة الله : "أأذهب إلى أمريكا, وأسير فيها سيرَ المبتعثين العاديين , الذين يكتفون بالأكل والنوم , أم لا بدّ من التميّز بسمات معينة ؟ وهل غيرُ الإسلام , والتمسك بآدابه والالتزام بمنهاجه في الحياة , وسط المعمعان المتْرَف المزود بكل وسائل الشهوة واللذة والحرام ؟ وأردتُ أن أكونَ الرجلَ الثاني ..."

ü بعد هذه المحاورة بعد هذا التأمل تحول سيد إلى داعية للإسلام داخل السفينة وبين ركابها فقد رأى مبشرا نصرانيا يدعو لنصرانيته فتحركت فيه مشاعر الإيمان وذهب إلى قبطان السفينة وطلب منه السماح له بإقامة خطبة وصلاة الجمعة على السفينة وقام سيد بإمامة الناس والخطبة فيهم وسط إعجاب جماهيري واسع وقد أبدت سيدة يوغسلافية تأثرها بقراءة سيد للقرآن ما استفاده سيد فيما بعد في بيان بعض أوجه إعجاز القرآن الكريم ...

ü كما ذكر سيد عدة محاولات لإغوائه وجرّه إلى الفتنة منها سواء منها داخل السفينة أو بأمريكا وقد عصمه الله من الوقوع في الفتنة والمعصية ... وكانوا يتعجبون من موقفه الشاذ في مجتمع المعصية والشذوذ ...

ü كما تعرّض لمحاولات احتوائه سواء من طرف الأمريكان أو الإنجليز وذكر قصصا عدة لضباط سخروا له كلّ شيء من علمي مادي إغوائي إغرائي كلّ شيء من أجل أن ينسلخ من دينه ويخدم مصالحهم داخل مصر والعالم العربي والإسلامي ولكنهم لم يظفروا بشيء من ذلك ...

ü ثم إنّه وقف على ضلال أمريكا وقف على عقائد القوم الباطلة وعلى سلوكاتهم الفاسدة ورأى منهم العجب العجاب الذي سطّره في العديد من كتبه ومقالاته وخاصة منها تفسيره ...

ü اطّلاعه على مناهج التربية والتعليم داخل أمريكا ودراسة أساليبهم ووسائلهم التعليمية والتربوية وقد أنكر بعضها ولكنّه أقرّ بجدية وإيجابية الكثير منها ...

ü ومن الحوادث التي أثّرت فيه بأمريكا موقف المستشرقين ورجال الدين والفكر من جماعة الإخوان المسلمين وعداؤهم السافر والشديد لها ... ثم فرحهم وسعادتهم لمقتل حسن ألبنا رحمه الله حتى أنّهم أقاموا الولائم والأفراح لذلك...

أقام سيد بأمريكا أقلّ من سنتين وعاد منها ملتزما لا بالإسلام فقط بل بالعمل للدين والسعي للتمكين له وعاد وهو لا يرى للأمة خلاصا إلاّ بالعودة إلى دينها وكان ذلك بتاريخ 20 \ 8 \ 1950 وبعد ثلاثة أيام فقط عاد إلى عمله بالوزارة

ثم لنخلص الآن إلى الحديث عن بعض آثار وانعكاسات هذا السفر على فكر سيد قطب وعلى منهجه وتفسيره في شكل نقاط مختصرة تجد تفصيلها عند الحديث على منهجية سيد في تفسير الظلال :

ü مصطلح الجاهلية الذي بدأ يومها يستقر في ذهنه وكتاباته....

ü الوقوف على كيد الأعداء ومكرهم وكرههم الشديد لكلّ ما يمتّ للإسلام بصلة .....

ü الوقوف على حقيقة عقائد القوم وسلوكهم والتعرف عليها عن كثب وقرب ....

ü تنبؤه في الظلال وغيره بخراب أمريكا والغرب من بعدها تماما كما تنبأ بسقوط الشيوعية وتلاشيها في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" .....

ü الاستعلاء الإيماني .......

ü تحليله لوضع الإنسانية وتشخيصه الداء في عالم القيّم .....

ü الأخذ ببعض التراث الإنساني إن لم يكن ممّا يتعارض والعقيدة

ü تأملاته في الكون والخلق والوجود والتي أكثر منها في تفسير الظلال

ü معركة النفس التي جعل منها ركنا ركينا في منهجه الدعوي والتغييري .....

ü انتمائه للإخوان بعد أن عرف قيمتهم وخطرهم في أمريكا وذلك قبل أن يقف على حقيقة دعوتهم ويتبنى ضرورة العمل الجماعي للإسلام ....

ثامنا : الإخوان المسلمون

انظم سيد للإخوان في فبراير 1953 ش بعد مفارقته للضباط الأحرار وهذا على خلاف ما يذكره كثير من المترجمين له فيزعم جلّهم أنّه انظم قبل ذلك بكثير ....

ولكن ما أثبتناه هو الصواب[34] بدليل قوله عن نفسه عليه رحمة الله: "... وفي الوقتِ نفسِه كانت علاقاتي بجماعة الإخوان تتوثق , باعتبارِها في نظري حقلاً صالحا للعمل للإسلام على نطاقٍ واسع, في المنطقةِ كلّها , بحركةِ إحياءٍ وبعثٍ شاملة. وهي الحركةُ التي ليس لها في نظري بديلٌ يكافئها, للوقوف في وجه المخطّطات الصهيونية والصليبية والاستعمارية, التي كنتُ قد عرفتُ عنها الكثير ــ وبخاصة في فترة وجودي في أمريكا ــ وكانت نتيجة هذه الظروف مجتمعة , انضمامي بالفعل سنة 1953م إلى جماعة الإخوان المسلمين " اهـ [35]

وفي هذه المقولة اعتراف بمكانة الحركة وببعض أسباب انضمامه إليها وهي :

الوقوف في وجه المخططات الصهيونية والصليبية

اعتبارها حقلا للعمل الإسلامي

امتدادها الواسع فهي موجودة في غالب بلاد الإسلام

اعتمادها حركة الإصلاح والتغيير والبعث الشامل

ليس لها بديل ومكافئ يمكن أن يحلّ محلّها

ما استشعره ولاحظه من تكالب القوة الغربية الصليبية والصهيونية على هذه الجماعة ومساعدة الحمقى والمغفلين من بني جلدتنا لهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وممّا قاله في هذا المعنى يوم نكّل عبد الناصر بجماعة الإخوان :"إنّ السياسة المخطّطة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة, تحقيقا لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققتْ بنجاح..."

كان يعتبر جماعة الإخوان المسلمين رمزا للفضيلة والأخلاق الكريمة وضميرا يذكر الأمة حينا ويِؤنّبها حينا آخر وسدّا منيعا يقف أمام الرذيلة وسوء الأخلاق والشيوعية والإلحاد... وفي هذا الصدد يقول بعد أن ضُرِبَتْ الجماعة ونُكِّلَ بأصحابها :"ثم تضخَّم هذا الشعور , وأنا أرى النتائج الواقعيةَ في حياة المجتمع المصري , من انتشارٍ هائلٍ للأفكار الإلحادية وللانحلال الأخلاقي , نتيجةً لتدمير حركة الإخوان المسلمين , ووَقْفِ نشاطها التربوي. وكأنما كان وجودُ هذه الجماعة سدّاً, وقد انهار, وانطلق بعدهُ التيار !" اهـ[36] ويقول أيضا :"ويستطيع الإنسان أن يلحظ بسهولة, علاقة هذا الانحدار بتدمير حركة الإخوان المسلمين, ومنعِ نشاطها. كما يستطيع أن يربطَ بين هذا التدمير وبينَ الخططِ الصهيونية والصليبية والاستعارية بخصوص هذه الجماعة, وبخصوص المنطقةِ بجملتها..."[37]

وقد تمّ هذا الانضمام بعدما خاب ظنه ورجاؤه في رجال الثورة وبعدما فشل في محاولة التقريب والإصلاح بينهم وبين الإخوان وما لا حظه يومها من توحّد نظرته ونظرة الإخوان

وممّا قاله في مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا عليه رحمة الله الواسعة في مقال له بعنوان "حسن البنا وعبقرية البناء" :"في بعض الأحيان , تبدو المصادفةُ العابرة, كأنّها قدرٌ مقدور, وحكمةٌ مدبّرة في كتابٍ مسطور ... حسن "البنّا" ... إنها مجردُ مصادفة أن يكون هذا لقبه .. ولكن من يقول : إنها مصادفةٌ, والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء, وإحسانُ البناء, بل عبقرية البناء؟ لقد عرفتْ العقيدةُ الإسلامية كثيرا من الدعاة ... ولكنّ الداعيةَ غيرُ البنّاء ... وما كلّ داعيةٍ يملكُ أن يكون بنّاءً, وما كلّ بنّاء يوهبُ هذه العبقريةَ الضخمة في البناء !!

هذا البناء الضخم ... الإخوان المسلمون ... إنّه مظهرُ هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات ... إنّ عبقرية البناء تبدو في كل خطوة من خطوات التنظيم ... من الأسرة إلى الشعبة , إلى المنطقة , إلى المركز الإداري , إلى الهيئة التأسيسية , إلى مكتب الإرشاد...

هذه من ناحية الشكل الخارجي ــ وهو أقلُّ كظاهر هذه العبقرية ــ ولكن البناءَ الداخلي للجماعة أدقُّ وأهم , وأكثرُ دلالةً على عبقرية البناء والتنظيم ... البناء الروحي ..."[38]

ويقول عنهم كذلك :"حيّا الله الإخوانَ المسلمين ... لقد تلفتتْ مصر حينَ جدَّ الجدّ , وتحرجَ الأمر , ولم يَعُد الجهادُ هتافاً وتصفبقاً, بل عملاً وتضحية , ولم يعُد الكفاح دعايةً وتهريجاً , بل فداءً واستشهاداً.

لقد تلفتت مصرُ, فلم تجد إلاّ الإخوانَ, حاضرين للعمل, مهيئين للبذل, مستعدين للفداء, مدرّبين للكفاح, معتزمين الاستشهاد...

لقد تركوا غيرهم يجتمعون ويَنْفَضُّون, أما هم فقد حملوا سلاحهم ومضوا صامتين ..."[39]

وقد مرّ هذا الانضمام بمراحل :

مرحلة الاهتمام بها لما شاهده من ابتهاج في أمريكا وانجلترا لمقتل حسن البنا ومن عداء الغرب لها

مرحلة التعاطف بعد عودته من أمريكا

مرحلة التعاون والتقارب بالكتابة في صحفها والمحاضرة في مكاتبها

مرحلة الانضمام الرسمي

الأعمال التي مارسها معهم مدة أكثر من سنة ونصف أي ما بين مارس 1953 ش ونوفمبر 1954ش

إشرافه على جريدة "الإخوان المسلمين" أصدر سيد العدد الأوّل منها بتاريخ 17 رمضان 1373 هـ الموافق لـ 20 ماي 1954ش أصدر منها اثني عشر عددا وتوقفت بتاريخ 6 ذي الحجة 1373 هـ الموافق لـ 5 أوت 1954 ش وسبب التوقف الاختياري هو شدّة الرقابة التي منعت سيد من أن يكتب فيها ما يعتقد ....

إلقاؤه حديث الثلاثاء في المركز العام للإخوان وكان يحضره آلاف من الناس سواء المنتسبين منهم للإخوان والغير منتسبين لهم ....

إيفاده إلى دمشق بتاريخ 2 مارس 1953 ش ليحضر مؤتمر "الدراسات الاجتماعية" حيث ألقى محاضرة بعنوان "التربية الخلقية كوسيلة لتحقيق التكامل الاجتماعي" .

ينبغي أن نسجل ها هنا أنّ أعماله لم تتجاوز الجانب الإعلامي والثقافي ولم تعهد الجماعة إليه بأعمال حركية أو تنظيمية كبيرة يقول سيد قطب حول هذا المعنى :"ومع ترحيبهم ــ على وجه الإجمال ــ بانضمامي إلى جماعتهم, إلاّ أن مجال العمل بالنسبة لي في نظرهم كان في الأمور الثقافية لقسم نشر الدعوة, ودرس الثلاثاء, والجريدة التي عملت بها رئيسا لتحريرها , وكتابةِ بعض الرسائل الشهرية للثقافة الإسلامية... أما الأعمال الحركية كلّها فقد ظللتُ بعيدا عنها "[40]

تزعمه للتنظيم الإخواني السري الجديد, فبعد اندثار التنظيم القديم وتفككه بدأ سيد يفكر في إعادته من جديد لكن وفق نظرة جديدة قائمة على تربية القاعدة الصلبة أولا ودعوة الناس للعقيدة الصحيحة ثانيا وإقامة تنظيم سري لا عمل له سوى الدفاع عن الجماعة الإسلامية ولا يتدخل إلاّ بمقدار ما يدافع به عن الجماعة وعن عملها التربوي والدعوي

ولعل من أهم تأثيرات انتساب سيد لجماعة الإخوان المسلمين على تفسيره منهجه الحركي وبخاصة في الطبعة المنقحة وكذا نظرته للواقع ومسؤولية الدعاة أمام الله ثم أمام الجماهير في إحداث التغيير وكذا اهتمامه الكبير بالجانب التنظيمي في حياة ودعوة الجماعة المسلمة الأولى وقد سطّر من ذلك الشيء الكثير في ظلاله

تاسعا : السجن

الاعتقال الأوّل صبيحة يوم 15 يناير 1954 ش بعد ما أصدر رجال الثورة بيان بحلّ جماعة الإخوان واتهامها بالتآمر مع الإنجليز ضد أمن ومصلحة مصر ..... ثم أفرج عنه في شهر مارس من نفس السنة بعد مظاهرة ضخمة نظمها الإخوان في 28 فبراير 1954ش

الاعتقال الثاني في أكتوبر 1954ش بعد حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954ش بالإسكندرية والتي نُسِب فيها للإخوان محاولة اغتيال جمال عبد الناصر

يقول عليه رحمة الله: "ثم كانت حوادث 1954 م . فاعتُقلتُ مع من اعتُقلوا في يناير , وأُفرج عنهم في شهر مارس. ثم اعتقلتُ بعد ذلك , في حادث المنشية في 26 أكتوبر كذلك"[41] وفي جوان 1955ش حكمت عليه محكمة الثورة بخمسة عشر سنة سجنا مع الأشغال الشاقة غيابيا لعدم قدرته المجيء بسبب المرض والتعذيب

نُقِل بعدها إلى سجن ليمان طُرَّة وبسبب مرضه أمضى جلّ هذه المدة في مستشفى السجن

وأفرج عنه بعفو صحي في ماي سنة 1964 ش وبتدخل من الرئيس العراقي عبد السلام عارف

يقول سيد رحمه الله عن ذلك :"تحدث فصيلة الأستاذ أمجد الزهازي بشأني , مع سيادة الرئيس عبد السلام عارف ووجد عنده كلَّ استعداد للتوسط لدى عبد الناصر , بل إنه فكّر في ذلك من نفسه . فقد كان كتابي "في ظلال القرآن" هو أنيسه في فترة اعتقاله أيام عبد الكريم قاسم ! وبالفعل قام بهذه الواسطة . ونجحت والحمد لله ."

ثم أعيد اعتقاله ليلة الإثنين 9 أوت 1965ش[42] ومن غرائب الظلم البشع الذي لا يستحي من الكذب الصُراح أنّ اللجنة القانونية لمجلس الأمة والتي نظرت في قضية سيد قطب وأصدرت بيانا بتاريخ 14\ديسمبر\1965ش جاء فيه أنّ سيدا ادّعى النبوة وأنّ الإخوان وافقوه على ذلك وأنّهم زعموا أنهم يمثلون الوساطة بين الناس وبين الله تعالى .

صدر حكم الإعدام في حقه يوم الأحد 21 أوت 1966ش

و في يوم الإثنين 13 جمادى الأولى 1386هـ الموافق لـ 29 أوت 1966ش نفد حكم الإعدام في كلّ من سيد قطب عبد الفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش

وقد ذكر سيد في عدة مواطن من تفسيره أثر السجن والخلوة التي عاشها فيه على فهمه للقرآن الكريم وعلى الوقوف على بعض أسراره التي لم يكن ليقف عليها لولا أيام السجن هذه ...

انظر الظلال 3\ 1484 قصة نعاس المسلمين يوم بدر

الظلال 5\ 2899 الشعور بقيمة الشمس

الظلال 5\ 2924 الشعور برحمة الله داخل النفس حتى وإن لم يتغير خارجها شيء ....



[1] طفل من القرية لسيد رحمه الله ص 21 نقلا عن سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 32

[2] المرجع السابق ص 21 ـ 22

[3] ثورة 1919 م ثورة حدثت في مصر بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية , جاءت ردا على نفي هذا الزعيم إلى جزيرة مالطا بعد إصراره على مطالبة بريطانيا بحقّ المصريين في المشاركة في مؤتمر الصلح بباريس للمطالبة بالاستقلال وإلغاء الأحكام العرفية التي فرضتها بريطانيا وقد عمّت هذه الصورة جميع مناطق مصر وشارك فيها الشعب بجميع أصنافه وأطيافه ... لكن أهم معاقل لهذه الثورة وأهم رجالاتها وجماهيرها تبقى الصعيد والصعايدة ...

[4] من أشهرها دراسات قرآنية , مذاهب فكرية معاصرة , جاهلية القرن العشرين , واقعنا المعاصر , لا إله إلاّ الله منهج حياة , مفاهيم ينبغي أن تصحح ....

[5] راجع طفل من القرية ص 29 و 121 ـ 123 وسيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 61 ـ 62

[6] موقف سيد من العبودية مشهور وقد أثار كثيرا من النقاش والجدال وقد خصصنا له فصلا مستقلا ولكننا ها هنا نشيرباختصار إلى أنه كان يرى أنّ الإسلام جاء ليزيح العبودية ويلغيه ولكنه لأسباب مرحلية ...واجتماعية... ونفسية ... اتبع طريقة خاصة من شأنها أن تحدث القطيعة بين المجتمع الإسلامي وبين العبودية بتدرج لا يضرّ بنية الأمة ولا يضر وحدتها وتماسكها ومواقفها إزاء أعدائها ....

[7] فعائلة سيد والمقصود الإخوة والأخوات عرفوا من التضحية والابتلاء ما يصلح أن يؤلف فيه كتابا خاصا فباختصار نقول : أما "نفيسة" وهي أكبرهن فقد سُجنت رغم بساطة معارفها وضآلة علومها كما سُجن معها ولداها وخاصة "رفعت" الذي عذب عذابا شديدا فاضت روحه على إثره وكذلك ولدها الآخر "عزمي" الذي أوشك أن يلحق أخاه لولا رحمة الله به , "أمينة" الصابرة صاحبة أطول خِطبة في التاريخ خطبة استمرت ما يقارب العشرين سنة من 1953 إلى 1973 مع الداعية المجتهد كمال السنانيري والذي قُتل في السجن بدوره تحت التعذيب في الثامن من نوفمبر 1981 , "محمد" رغم ابتعاده عن التنظيمات السياسية بمختلف أنواعها وأصنافها ابتلي بدوره مرتين دون أيّ سبب سوى الظلم غير المبرر ؛ الأولى سنة 1954 مع آلاف المعتقلين من شباب الصحوة الإسلامية دون أن توجه له لائحة اتهام مكث خلالها سنوات داخل السجن ثم أفرج عنه دون أن توجه له تهمة معينة , الثانية : وهي الأشدّ عليه وعلى العائلة كلها يوم 2 أوت 1965 وبعد أن توجه أخوه سيد للاحتجاج على قبضه بدون وجه حقّ ألقي عليه القبض بدوره وفي هذه المحنة أعدم سيد . أما الأخت الصغرى "حميدة" فقد كانت في المحنة الأولى مع مجموعة من النسوة يقمن بخدمة عائلات وأسر الإخوان المعتقلين وكانت الساعد الأيمن للمجاهدة زينب الغزالي زكانت تمثل حلقة الوصل بين قيادات التنظيم في الخارج وبين شقيقها داخل السجن وفي المحنة الثانية ابتليت بالسجن كذلك ولم تنج من العذاب كإخوتها وأخواتها ... فهذه لمحة وجيزة عن ابتلاءات هذه العائلة وتضحياتها ....

[8] الخطط المقريزية 3 \ 417 النسخة الإلكترونية

[9] انظر الصفحات 145 ـ 147

[10] مجلة الأسبوع , المجلد الثالث . عدد 35 تاريخ 25 جويلية 1234 صفحة 8 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد

[11] لن يستطيع حينها بشر أن يقدم له شهادة قطّ ولن يستطيعها حينها إلاّ ربّ البرية ونرجوا من الله أن يكون قد أعطاه إياها آمين !

[12] سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد , ص 96

[13] الأسبوع ؛ السنة الأولى , العدد 26 تاريخ 23 ماي 1934 ص 14 ـ 15 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 98 و 99

[14][14] ستأتي في مبحث رحلة سيد قطب مع القرآن الكريم وخلاصتها أنّه قاد معركة المدرسة ضدّ الكتاب وأراد أن يبرهن على تقدم المدرسة وأفضليتها بأن تفوّق على الكتاب في ميدان تخصصه ؛ حفظ القرآن الكريم

[15] نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر ص 64 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 77

[17] مهمة الشاعر في الحياة ص 11 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 78 ـ 79

[18] الأسبوع , المجلد الثالث , عدد 35 , تاريخ 25 جويلية 1934 صفحة 21 نقلا من المصدر السابق

[19] الرسالة , السنة السادسة , المجلد الأول عدد 251 , تاريخ 25 \ 4 \ 1938 صفحات 292 ـ 293 نقلا من المصدر السابق ص 123 ـ 124

[20] المرجع السابق العدد 927 تاريخ 19\5\1951 صفحة 429 نقلا من المصدر السابق كذلك ص 123

[21] سيد من الميلاد إلى الاستشهاد ص 165 ـ 166

[22] من تأسيس مصطفى كمال أب الوطنية المصرية

[23] حزب الوفد بزعامة سعد زغلول سمي بذلك بعد حادثة وفد الزعماء المصريين الذين فاوضوا الإنجليز في شأن استقلال مصر بعد ثورة 1919

[24] زذلك لمّا طالب الإنجليز الملك فاروق بإقالة رئيس الوزراء وتعيين مصطفى النحاس رئيس الوفد مكانه فكانت هذه الحادثة سبب النقمة الشعبية على الحزب وكان سيد من ضمن الناقمين عليه ...

[25] حزب انشقّ أصحابه عن الوفد وأسسوا حزبا نسبوه لزعيم الوفد الأول سعد زغلول

[26] جريدة اللواء الأردنية , عدد 700 تاريخ 8 \ 10 \86 نقلا عن مجلة الهلال عدد أكتوبر 1986 م من المصدر نفسه ص 298

[27] جريدة اللواء الأردنية , عدد 696 تاريخ , 10\9\86 ....

[28][28][28] مجلة كلمة الحق التي أصدرها أحمد عطار في مكة السنة الأولى العدد الثاني تاريخ صفر 1387 هـ صفحة 38 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 300

[29] المرجع السابق 37

[30] المرجع نفسه 39

[31] مجلة الغرباء, السنة الثالثة عشرة , العدد الثالث سبتمبر 1975 صفحة 12 نقلا عن سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 302

[32] لماذا أعدموني 13 نقلا من المصدر السابق نفس الصفحة

[33] مقال موسيقى الوجود , مجلة الكتاب المجلد التاسع الجزء الرابع أبريل 1950 صفحة 326 نقلا من سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 259 ـ 260 ـ وانظر الصفحة 327

[34] سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 232 ــ 233

[35] لماذا أعدموني ص 11 ــ 12

[36] لماذا أعدموني ص 15 , 16

[37] المرجع نفسه ص 17

[38] دراسات إسلامية : 225 ــ 226 نقلا عن سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 330

[39] المرجع نفسه ص 243

[40] لماذا أعدموني ص 12 نقلا عن سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 334

[41] لماذا أعدموني ص 12 نقلا عن سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ص 347

[42] الموتى يتكلمون ص 120 , 121

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق