الثلاثاء، 20 جويلية 2010

المعالم المنهجية الكبرى في تفسير الظلال

أوّلا : التعامل مع النص القرآني مباشرة دون مقررات سابقة ومحاولة تجنب كلّ ما من شأنه حجب روح القرآن وحقيقته عن القارئ :
المقصود بهذا المعلم أنّه عليه رحمة الله قد جعل من القرآن ذاته مصدره الأول ويكاد يكون الأوحد إذ لا يعود لغيره إلاّ لأجل الاحتجاج والتوثيق هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّه قد تجنب الخوض في المباحث اللغوية والكلامية والفقهية لا لشيء إلاّ ليبقى اتصاله بالنص القرآني مستمرا وحتى لا يمنع ذلك كله من التلقي المباشر والصحيح لروح القرآن وأهدافه وتوجيهاته ...[1]
يقول الدكتور الخالدي : "وقد كان سيد حريصا على بيان هذا بعبارات صريحة اعتقادا منه بأهمية معرفته عند القراء , حتى يدركوا سرّ تعامله مع القرآن , ونجاحه في استخراج كنوزه وصوابية أفكاره , وقرآنية خواطره ونظراته واستدلالاته ونتائجه التي خرج بها , وحتى يعرفوا كيفية فهم القرآن , ويقفوا على مفتاح التعامل معه ."[2]
يقول سيد عليه رحمة الله في مقدمة الطبعة الأولى : ""كل ما حاولته ألا أُغرِق نفسي في بحوث لغوية أو كلامية أو فقهية تحجب القرآن عن روحي ، وتحجب روحي عن القرآن"(2).
يقول في مقدمة كتابه القيم "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" : (منهجنا إذن في هذا البحث عن "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" أن نستلهم القرآن الكريم مباشرة - بعد الحياة في ظلال القرآن طويلاً - وأن نستحضر - بقدر الإمكان الجو الذي تنزلت فيه كلمات الله للبشر، والملابسات الاعتقادية والاجتماعية السياسية، التي كانت البشرية تتيه فيها وقت أن جاءها هذا الهدى ، ثم التيه الذي ضلت فيه بعد انحرافها عن الهدي الإلهي !.
ومنهجنا في استلهام القرآن الكريم ، ألا نواجهه بمقررات سابقة إطلاقًا لا مقررات عقلية ولا مفردات شعورية - من رواسب الثقافات التي لم نَسْتَقِهَا من القرآن ذاته - نحاكم إليها نصوصه ، أو نستلهم معاني هذه النصوص وفق تلك المقررات السابقة لقد جاء النص القرآني ــ ابتداء ــ لينشء المقررات الصحيحة التي يريد الله أن تقوم عليها تصورات البشر , وأن تقوم عليها حياتهم . وأقلّ ما يستحقه هذا التفضل من العلي الكبير, وهذه الرعاية من الله ذي الجلال ــ وهو الغني عن العالمين ــ أن يتلقوها وقد فرغوا لها قلوبهم وعقولهم من كل غبش دخيل , ليقوم تصورهم الجديد نظيفا من كل رواسب الجاهليات ــ قديمها وحديثها على السواء ــ مستمدا من تعليم الله وحده . لا من ظنون البشر , التي لا تغني من الحق شيئا !
ليست هناك إذا مقررات سابقة نحاكم إليها كتاب الله تعالى . إنما نحن نستمد مقرراتنا من هذا الكتاب ابتداء , ونقيم على هذه المقررات تصوراتنا ومقرراتنا ! وهذا ــ وحده ــ هو المنهج الصحيح , في مواجهة القرآن الكريم , وفي استلهامه خصائص التصور الإسلامي ومقوماته .اهـ ) [3].
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد [4]: " حين نتحدث عن منهج "في ظلال القرآن" فإننا أمام تجربة جديدة ، ومنهج متفرد في النظر إلى القرآن الكريم ، وفهمه ، وإدراك أسراره ، والحِكَم التي نُزِّل من أجلها القرآن.
تجربة فريدة من نوعها لا نكاد نجد لها نظيرًا في تاريخ التفسير على الرغم من التضخم الذي حظي به تاريخ القرآن في تفسيره ، واستكناه حقائقه.
إنه الالتحام المباشر بالقرآن الكريم ، والرجوع إليه وحده ، والعيش في ظلاله دون أن يحول بينه وبين هدايته قضايا كلامية ، أو بحوث فقهية ، أو مجادلات فلسفية ، أو تعصبات مدرسية ، أو رموز باطنية ، أو إيحاءات صوفية ، أو تفاصيل لغوية ونحوية وبلاغية وإعجازية. " اهـ[5]
* ونقف ها هنا لنسجل ملاحظة مهمة ألا وهي أنّ هذه المنهجية في التعامل مع النصوص الشرعية لم تكن من إحداث سيد قطب بل هي منهج سلفي قديم اعتراه كثير من الغبش والركام بمرور الزمن وآثار تفاعل المسلمين مع باقي حضارات وثقافات العالم ولعل من أشهر من نبّه إليه في العصر الحديث هو الشيخ محمد عبده حيث قال : ""إن الله تعالى لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال الناس وما فهموه، وإنما يسألنا عن كتابه الذي أنزله لإرشادنا وهدايتنا، وعن سنة نبيه الذي يبين لنا ما أنزل إلينا"(1) .
* ولقد كان لاعتماد هذا المنهج فوائد جمّة على تفسيره وآثار مهمة في فكره لعل أهمّها : الإحساس بمقاصد القرآن وإدراك غاياته ...
ولهذا تراه في مقدمة الظلال المنقحة يقرر حقائق عظام هي مقاصد القرآن وغاياته استقاها من خلال هذا الاتصال المباشر بلا حجب و بلا حواجز هذا الاتصال الذي نعته بأنه نعمة , نعمة العيش في ظلال القرآن ونعمة السماع من الله مباشرة ... يقول سيد قطب عليه رحمة الله : "وعشت - في ظلال القرآن - أحس هذا التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريد الله ، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله .. ثم أنظر .. فأرى التخبط الذي تعانيه البشرية في انحرافها عن السنن الكونية ، والتصادم بين التعاليم الفاسدة الشريرة التي تُملَى عليها ، وبين فطرتها التي فطرها الله عليها ، وأقول في نفسي : أي شيطان لئيم هذا الذي يقود خطاها إلى هذا الجحيم؟ يا حسرة على العباد". "عشت أتملى – في ظلال القرآن – ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود .. لغاية الوجود كله ، وغاية الوجود الإنساني .. وأقيس إليه تصورات الجاهلية التي تعيش فيها البشرية في المستنقع الآسن ، وفى الدرك الهابط ، وفى الظلام البهيم ، وعندها ذلك المرتع الزكي ، وذلك المرتقى العالي ، وذلك النور الوضيء"[6] ويقول أيضا : "لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة .. إلا بالرجوع إلى الله..". "إن الاحتكام إلى منهج الله ليس نافلة ولا تطوعًا ولا موضع اختيار ، إنما هو الإيمان .. أو .. فلا إيمان .. إن هذه البشرية - وهى من صنع الله - لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ، ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يَخْرج من يده - سبحانه - وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق ، وشفاء كل داء : "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"(1)... ولكن هذه البشرية لا تريد أن ترد القفل إلى صانعه ، ولا أن تذهب بالمريض إلى مبدعه " [7]
ثانيا : البعد الأدبي[8] أو الجمالي[9] في تفسير الظلال وبالأخص تأثير نظرية التصوير الفني أو كما يسميها البعض التجسيم أو التخييل الحسي
لقد ولج سيد القرآن الكريم بباعه الأدبي وزاده النقدي الكبير ... فكان لا بدّ وأن يتأثر تفسيره وحديثه عن القرآن بهذا المعلم وينطبع به بل لقد صرّح في غير ما موضع من مواضع كتبه وفي فترات متقدمة من حياته أنّه يأمل في إعادة النظر في القرآن الكريم كلّه نظرة أدبية فاحصة تكشف عن مكنوناته الأدبية المختزنة وجواهره الجمالية المفتقدة ...
قال عليه رحمة الله في مقدمة كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" :"... والقرآن : هذا الكتاب المعجز الجميل , هو أنفس ما تحويه المكتبة العربية على الإطلاق , فلا أقلّ من أن يعاد عرضه , وأن ترد إليه جدته , وأن يستنقد من ركام التفسيرات اللغوية والنحوية والفقهية والتاريخية والأسطورية أيضاً ! وأن تبرز فيه الناحية الفنية , وتستخلص خصائصه الأدبية , وتنبه المشاعر إلى مكامن الجمال فيه . وذلك هو عملي الأساسي في "مكتبة القرآن" . وقد تناولت هذه المشاهد كما يصورها ظاهر اللفظ الواضح المشرق البسيط , لم أحاول أن أعقّدها بالتأويلات البعيدة , ولا أن أدخل عليها مباحث لغوية ودينية لا يقتضيها العرض الفني الجميل . و في اعتقادي أنّ العرب الأولين قد تلقوا الجمال الفني في القرآن هذا التلقي , فتعمق في إحساسهم وهزّ نفوسهم قبل أن يعقِّده المفسرون والمؤولون ."[10]
وعن هذا المعلم البارز في تفسير الظلال يقول الأستاذ أحمد بزوي الضاوي[11] : "يبدو أثر الواقعالأدبي الحديث واضحا في عناية سيد قطب بلغة النص القرآني، ودراسة أسلوبه وإبرازالجانب التعبيري والبلاغي للألفاظ والتراكيب اللغوية، ذلك أنه ركز على جوانب فنيةوجمالية لم يتنبه إليها أو بالأحرى لم يركز عليها القدماء عند تفسيرهم للقرآنالكريم، أو دراسته دراسة لغوية وبلاغية. من ذلك تركيزه على الصورة والمشاهد، ورسمالشخصيات، وتجسيد المواقف، والظلال والحركة والتكرار، والتناسق بين المدلولاتوالتعابير، والاهتمام الكبير بدراسة الإيقاع، وتحليل بنية الألفاظ التركيبيةوالدلالية، والكشف عن العلاقة الموجودة بينهما، وغيرها من الأدوات و الوسائلالتعبيرية التي اكتشفها الأدباء والنقاد، وفلاسفة الجمال في العصر الحديث، والتياطلع عليها سيد قطب دون شك بوصفه أديبا وشاعرا وناقدا.
و التركيز على هذهالجوانب الجمالية والأسلوبية في دراسة النص القرآني يعتبر من أبرز سمات النزعةالأدبية في تفسير « في ظلال القرآن"، فضلا عن أنه قد وسع من دائرة الإعجاز اللغويللقرآن الكريم ، والذي كان يدور حول موضوعات ومحاور قد استهلكت، كدراسة التشبيهوالاستعارة والكناية، والمجاز والمحسنات البديعية واللفظية والمعنوية والخروج بالنصالقرآني إلى رحابة الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبية الحديثة التي يتفاعل معهاالمسلم المعاصر، كما أنه يبرز كثيرا من الخصائص التركيبية والدلالية و الأسلوبيةللخطاب القرآني، التي لم تتمكن الدراسات اللغوية أو البلاغية القديمة من إبرازهابالطريقة نفسها، وبالدقة والعمق الذي تستطيعه الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبيةالحديثة."
وإنّ هذا الذي أفاض الأستاذ في بيانه وذكر تفصيلاته هو ما يسميه سيد قطب بنظرية التصوير الفني في القرآن الكريم هذه النظرية التي يكاد النقاد يجمعون على أنّها من اكتشاف الناقد والأديب سيد قطب وذلك في مقاله "التصوير الفني في القرآن الكريم" والذي نشرته مجلة "المقتطف" على حلقتين بتاريخ فبراير ومارس 1939 ش ودعا فيه سيد رحمه الله الكتاب والأدباء والنقاد إلى الالتفات إلى هذه النظرية الجديدة ومشاركته في تطويرها والبحث في تطبيقاتها وتفصيلاتها فلما رأى ضعف الاستجابة وبعد انتظار طويل ألّف كتابه الأدبي المشهور بعنوان ذات المقالة "التصوير الفني في القرآن"
وقد أطنبنا القول في شرح هذه النظرية عند حديثنا عن عنوان الظلال لذا نكتفي هنا بمجرد الإشارة إليها واعتبارها معلم من معالم الظلال الرئيسة والتي تميّز بها عن غيره من التفاسير ...

ثالثا : المنهج الحركي في تفسيره :
والمقصود به منهج القرآن سواء في فهمه والتعامل معه أو في عمله داخل النفس والمجتمع
أي أنّ هذا الدين إنّما نزل للدعوة والعمل نزل ليتمثل في حياة الأفراد والأمم لا مجرد نظريات وفلسفات يتناقلها العلماء يتناظرون فيها ويتجادلون ....ثم إنه لا سبيل لفهم هذا الدين إلاّ للذين يعيشونه سلوكا وعملا أما المتعامل معه كالمتعامل مع النظريات الإنسانية والفلسفات البشرية بمجرد البحث والتفسير والنظر والشرح .....معاملة لا تتجاوز ولا تتعدى الجانب النظري فلن يفهموا حقيقة هذا الدين مهما حاولوا ومهما تعلموا وحفظوا وعلّموا وكتبوا وألّفوا وتمكنوا من جزئياته النظرية ...
يقول الدكتور الخالدي ملخصا ومبيّنا معنى المنهج الحركي في تفسير سيد قطب : "ونستطيع أن نلخص في كلمات نظريته في التفسير : القرآن هو كتاب هذه الدعوة . والواقعية الحركية من أهم سماته. و لا بدّ من إدخاله المعركة مع الجاهلية . ولا بدّ من الحياة في جوّه . والحركة العملية به . وتلقي نصوصه للتنفيذ . والإقبال عليه بروح المعرفة المنشئة للعمل والتربية . ولا بدّ من استصحاب المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله أوّل مرة ... ولا بدّ من الحركة به ... لأنّه لا يدرك أسراره قاعد . ولأنه لا يفتح كنوزه إلاّ لمن يتحرك به فعلاً ...."[12]
ننقل هنا بعض أقوال المفسر يتكلم فيها عن هذا المنهج :
يقول عليه رحمة الله : "إن الحركة هي قوام هذا الدين ، ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به ، والتجارب تجزم بأن الذين لا يُدمَجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب دراسة باردة، وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ، ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق."[13] ويقول أيضا : "ولن تنكشف أسرار هذا القرآن قط للقاعدين الذين يعالجون نصوصه في ضوء مدلولاتها اللغوية والبيانية فحسب ، وهم قاعدون." [14] ويقول أيضا: " وبدون هذه الحركة لم يعد الناس يدركون من أسرار هذا القرآن شيئًا ، فهذا القرآن لا يدرك أسراره قاعد ، ولا يعلم مدلولاته إلا إنسان يؤمن به ويتحرك به في وجه الجاهلية لتحقيق مدلولاته ووجهته ..... وإني لأهيب بقراء هذه الظلال ألا تكون هي هدفهم من الكتاب ، إنما يقرءونها ليَدْنوا من القرآن ذاته ، ثم ليتناولوه عند ذلك في حقيقته ، ويطرحوا عنهم هذه الظلال . وهم لن يتناولوه في حقيقته إلا إذا وقفوا حياتهم كلها على تحقيق مدلولاته وعلى خوض المعركة مع الجاهلية باسمه وتحت رايته" [15]
ومن أقواله أيضا : "...هو كتاب هذه الدعوة , هو روحها وباعثها . وهو قوامها وكيانها . وهو حارسها وراعيها . وهو بيانها وترجمانها . وهو دستورها ومنهجها . وهو في النهاية المرجع الذي تستمد منه الدعوة ــ كما يستمد منه الدعاة ــ وسائل العمل , ومناهج الحركة , وزاد الطريق ... ولكن ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ذات وجود حقيقي ; ووجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة ; ووجهت به حياة إنسانية حقيقية في هذه الأرض ; وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجه هذا الخلق المسمى بالإنسان والتي تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداثا حية ذات كينونة واقعية حية ; ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا نشأ عنه وجود ذو خصائص في حياة الإنسان بصفة عامة وفي حياة الأمة المسلمة بوجه خاص ومعجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة في فترة من فترات التاريخ محددة وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها ولكنه مع هذا يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية وفي صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها وفي معركتها كذلك في داخل النفس وفي عالم الضمير بنفس الحيوية ونفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك ...."[16]
انظر لمزيد من البيان والتحقيق الظلال 2\ 1399... 3\ 1432 ــ 1433 3\ 1509... 4\ 1221 ... إلخ...
وانظر كذلك المنهج الحركي في الظلال للخالدي [17] وفي ظلال سيد قطب لوصفي عاشور الصفحة 50 وما بعدها
العوامل التي ساعدت على ظهور المنهج الحركي في فكر سيد قطب وتفسيره :
ينبغي أن نسجل ها هنا ملاحظة مهمة وهي أنّ هذا المنهج لم يتعرف عليه سيد قطب إلاّ في أواخر كتبه ومنها الطبعة المنقحة للظلال وكان سيد ينصح قراءه وتلامذته بأن يقرأوا من كتبه التي كتبها وفق هذا المنهج وبناءً على هذه الرؤية لا المتقدمة منها والتي غابت عنها هذه النظرة ولعل من أسباب وعوامل تكونها ما يلي :
ü ملاحظة الغرض الأساسي للقرآن الكريم إنّه يهدف أساسا إلى تكوين الشخصية المسلمة السوية وإلى إخراج المجتمع المنشود مجتمع خير أمة أخرجت للناس وله أغراض أخرى كثيرة هي أغراض ثانوية كلّها تصبُّ في نهاية المطاف في هذا المصبِّ العظيم
ü وقفته الطويلة والشهيرة مع جيل الصحابة الكرام عليهم الرضوان وقد سماهم بالجيل القرآني الفريد ليبحث في أسباب ذلك التفرد والبروز وليخلص ابتداء أنهم إنّما " نشأوا في محضن القرآن الكريم ,وصيغوا على نصوصه , وعاشوا في ظلاله , وأنهم تلقوا القرآن وتوجيهاته للعمل والتنفيذ , وأنهم تحركوا به حركة عملية في مواجهة الجاهلية ..."[18]
ü حياته الطويلة في جوِّ القرآن مستصحبا الملابسات والظروف التي صاحبت نزوله في مكة والمدينة وملاحظة تفاعل المسلمين الأوائل معه
ü حركته العملية بالقرآن الكريم وجهاده به في مواجهته للجاهلية المعاصرة ــ كما كان يسميها ــ وملاحظته للتشابه بين الواقع الأوّل الدي نزل فيه القرآن والواقع الذي عاشه وعاصره وأنّ النص القرآني يشمل هذا الواقع الذي يعيشه كما يشمل ذلك الواقع الذي نزل فيه
ü صحبته الطويلة للقرآن الكريم وعكوفه على دراسته دراسة معمقة لأكثر من عشرين سنة وبخاصة في مرحلة تواجده بالسجن حيث التفرغ والتفكر والتأمل العميق ...
ü إدراكه شمول القرآن لكل ما يهم الجماعة المسلمة وبيانه لكل ما تحتاج إليه ....
ü دخوله عالم القرآن الرحب بدون مقررات سابقة سوى إرادة التلقي فقط ...
ü استبعاده المطولات الثقافية الضخمة التي ملأت التفاسير السابقة والتي كان يقصد بها إمداد الفرد المسلم بزاد معرفي يمكنه من التفاعل الثقافي والحضاري داخل مجتمع إسلامي قائم أما الآن في ظرف غربة الإسلام فلا ينبغي التركيز إلاّ على ما من شأنه أن يعيد للأمة مكانتها بل وللمجتمع الإسلامي وجوده وللفرد التزامه واستقامته ولا يتأتى ذلك إلاّ بالعودة للقرآن والأخذ عنه مباشرة دون وسائط .....وبتفاعله مع القرآن ذاك وعيشه في ظلاله اهتدى إلى منهجه في التلقي والعمل ...
ü حياته عليه رحمة الله في عصر غربة الإسلام في تصوراته ومنهاجه وتشريعاته وعنف المعركة التي خاضها مع إخوانه في مواجهة هذه الغربة
قواعد منهجه الحركي في التفسير :[19]
ü النظرة الكلية الشاملة للقرآن الكريم : "تتميز نظرة سيد قطب إلى القرآن بالشمول , حيث لم ينظر إليه كأجزاء وتفاريق , بل كوحدة موضوعية شاملة , وكلٍّ متناسق متناسب , فهو ــ وإن نزل في فترة زمنية طويلة مقدارها ثلاثة وعشرون عاماً ــ إلاّ أنّ منهجه هو هو , وطبيعته هي هي , سواء في الآيات الأولى التي نزلت في مكة أو في أواخر الآيات نزولا في المدينة ."[20] فأغراضه , مهمته , موضوعه , وطريقته وكلّ شيء فيه موحّد ... "وانطلاقا من نظرة سيد الشاملة الكلية , إلى القرآن الكريم , نجح في الوقوف على كنوزه الفنية والجمالية والبيانية , وكنوزه الحركية والدعوية , والتشريعية والحياتية , وأجاد في تقديم كل هذا في الظلال !!."[21]
ü التأكيد على المقاصد الأساسية للقرآن : بحكم طول المراس والتعامل مع القرآن الكريم استطاع سيد أن يقف على مقاصده الأساسية والرئيسة فجعل من هذه المقاصد العظمى مقاصد للظلال ذاته فهدفه الأوّل من هذه الظلال هو تحقيق مقاصد القرآن ولذا نراه باستمرار و في فرصة سانحة يؤكد على هذه المقاصد ويزيدها بيانا ووضوحا إنّ القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ ليس حديثا عن الماضي الذي انقضى وانتهى ولا حديثا عن جاهليات كانت في الزمن الغابر ولن تعود من جديد إنّما هو كتاب الماضي والحاضر والمستقبل وهذا لبّ الإعجاز فيه , إنّ الحديث عن قصص مضت يقصد بها الحاضر الذي نعيشه اليوم وقد يقصد بها واقع لم نره بعد وإنّ المعركة التي يتحدث عنها القرآن هي معركته التي خاضها بجماعة المسلمين الأولى وهي ذاتها المعركة التي نخوضها اليوم يقول عليه رحمة الله : "وإننا نبخس القرآن قدره , إذا نحن قرأناه وفهمناه على أنه حديث عن جاهليات كانت , وإنما هو حديث عن شتى الجاهليات في كل أعصار الحياة . ومواجهة للواقع المنحرف دائما , ورده إلى صراط الله المستقيم ..."[22] ثم إنّ معركة القرآن قديما وحديثا وفي كلّ وقت من أوقات معركة عقائدية معركة لا إله إلاّ الله لا غير يقول عليه رحمة الله : "إنّ المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي قبل كلّ شيء معركة هذه العقيدة ..." ثم إنّ من أهم مواضع القرآن ومقاصده بصفة عامة والعقيدة بصفة خاصة موضوع الأولوهية والعبودية والحاكمية فالحاكمية هي أخص خصائص الألوهية في رأي سيد قطب والاعتبار الأول فيها " هو أنّها قضية الإقرار بألوهية الله وربوبيته وقوامته على البشر ــ بلا شريك ــ أو رفض هذا الإقرار ... ومن هنا هي قضية كفر أو إيمان ... وجاهلية أو إسلام ..."[23] ومن ثم كان القرآن كله معرضا لبيان هذه القضية : إنّ الله هو الخالق ... وإنّ الله هو الرازق ... وإنّ الله هو صاحب السلطان المتصرف في الكون والناس ..."[24] "... [وإنّ] المنهج القرآني يتكئ كثيرا جدا على هذا المبدأ [الحاكمية] لتقريره في كل مناسبة , ولا يمل تكراره حيثما جاءت مناسبته أمام كل تشريع للصغير وللكبير من الأمور ... ذلك أنّ هذا المبدأ هو العقيدة , وهو الدين , وهو الإسلام , وليس وراءه من هذا الدين كله إلاّ التطبيقات والتفريعات ...."[25]
ü بيان المهمة العملية الحركية للقرآن : " القرآن الكريم ليس كتابا للتلاوة فقط , ولا مجالا للأجر والثواب فقط , ولا سجلاً للثقافة أو الفقه أو اللغة أو التاريخ فقط , ولكنه "الرائد الحي لقيادة أجيال الأمة , وتربيتها وإعدادها لدور القيادة الراشدة ... .. ومن تدبر القرآن بقلب يقظ خاشع فإنه يجده توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم , ولتنير الطريق إلى المستقبل ..."[26] "فهو كائن حي متحرك . ونحن نراه في ظل هذه الواقعية يعمل ويتحرك في وسط الجماعة المسلمة , ويواجه حالات واقعة فيدفع هذه ويقر هذه , ويدفع الجماعة المسلمة ويوجهها . فهو في عمل دائب , وفي حركة دائبة ... إنه في ميدان المعركة , وفي ميدان الحياة ..."[27] " ...سنرى القرآن حيا يعمل في حياة الجماعة المسلمة الأولى , ويملك أن يعمل في حياتنا نحن أيضا , وسنحس أنه معنا اليوم وغداً , وأنه ليس مجرد تراتيل تعبدية مهومة بعيدة عن واقعنا المحدد , كما أنه ليس تاريخا مضى وانقضى , وبطلت فاعليته وتفاعله مع الحياة البشرية ..."[28] " ... وهكذا نجد هذا الكتاب لا يعلم المسلمين العبادات والشعائر فحسب , ولا يعلمهم الآداب والأخلاق فحسب ــ كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين ـــ إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة . ويعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية ... وها هو يرسم للمسلمين جانبا من الخطة التنفيذية للمعركة , المناسبة لموقفهم حينذاك , ولو جودهم بين العداوات الكثيرة ..."[29] " ... إنّ هذا الدين ليس نظرية ليتعلمها الناس في كتاب , للترف الذهني , والتكاثر بالعلم والمعرفة ! وليس كذلك عقيدة سلبية يعيش بها الناس بينهم وبين ربهم وكفى ! كما أنه ليس مجرد شعائر تعبدية يؤديها الناس لربهم فيما بينهم وبينه ... إنّ هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان ... وهو منهج حركي واقعي ... يواجه واقع الناس بوسائل مكافئة ... والحركة في هذا الدين حركة في واقع بشري . والصراع بينه وبين الجاهلية ليس مجرد صراع نظري يقابَل بنظرية ... هذا هو المنهج الواقعي الحركي الإيجابي لهذا الدين ...."[30]
ü المحافظة على جوّ النص القرآني : وقد تحدثنا عن هذا البند والذي بعده في أوّل معالم الظلال
ü استبعاد المطولات التي تحجب القرآن : نسجل ها هنا مقولة للمفسر يذكر فيها علاقته بالقرآن وتذوقه له كيف كانت التفاسير تحجبه عنه وكيف أنه وجده بالعودة للقرآن يتعامل معه مباشرة .... " ... ودخلت المعاهد العلمية , فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير , وسمعت تفسيره من الأساتذة , ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا... وا أسفاه لقد طُمست كل معالم الجمال فيه , وخلا من اللذة والتشويق ... ترى هما قرآنان ؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق , وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق ؟ أم إنّها جناية الطريقة المتبعة في التفسير . وعدت إلى القرآن أقرأه في المصحف لا في كتب التفسير . وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب "[31]
ü تسجيل إيحاءات النص وظلاله ولطائفه : "كان سيد قطب يتلو الآيات التي يريد تفسيرها , ويعيد التلاوة , ويعيش بكيانه مع معانيها وإيحاءاتها وظلالها . ثم يكتب تفسيرها , ويقيد خواطره حولها , ويدون إيحاءاتها وإيماءاتها , وحقائقها ودلالاتها , وصورها وظلالها . وهو في عمله هذا يطبق المنهج القويم في التفسير , ويسير مع أقرب الطرق لفهم كلام الله ."[32]
ü دخول عالم القرآن بدون مقررات سابقة : تقدم الحديث عن هذا البند
ü الثقة المطلقة بالنص القرآني والتسليم التام بدلالاته : " كان سيد قطب يثق بالنص القرآني ثقة مطلقة ويصدق به تصديقا جازما , ويسلم بدلالاته تسليما تاما , ويتلقى إيحاءاته وتوجيهاته وحقائقه دون تأويل أو تحريف , فما يقرره هو الحق , وما يوحي به هو الصدق , وما يدل عليه هو الخير , وكيف لا وهو كلام الله {ومن أصدق من الله حديثا}[33] وموقف العقل المؤمن هو التسليم بدلالاته وتصديق تقريره والثقة به , ودور المفسر الملتزم هو فهم تقريراته وتوجيهاته وبيانها للناس دون تأويل أو تحريف ..."[34]
ü غنى النصوص بالمعاني والدلالات : "نصوص القرآن الكريم دقيقة في صياغتها , جليلة في معانيها , مترابطة في أهدافها ومراميها , متينة في أدائها , قوية في تأثيرها , غنية في دلالاتها ومعانيها , ساحرة في صورها وظلالها ..."[35] ويقول المفسر ابن عطية في مقدمة تفسيره : "وكتاب لو نزعت منه لفظة , ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد, ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره , ويخفى علينا وجهها في مواضع , لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة , وميز الكلام ...."[36] يقول المفسّر رحمه الله :"إنّ الأداء القرآني يمتاز بالتعبير عن قضايا ومدلولات ضخمة في حيز يستحيل على البشر أن يعبروا فيه عن مثل هذه الأغراض , وذلك بأوسع مدلول , وأرق تعبير , وأجمله وأحياه أيضا !مع التناسق العجيب بين المدلول والعبارة والإيقاع والظلال والجوّ . ومع جمال التعبير دقة الدلالة في آن , بحيث لا يغني لفظ عن لفظ في موضعه , وبحيث لا يجور الجمال على الدقة ولا الدقة على الجمال . ويبلغ من ذلك كله مستوى لا يدرك إعجازه أحد , كما يدرك ذلك من يزاولون فن التعبير فعلا . لأنّ هؤلاء هم الذين يدركون حدود الطاقة البشرية في هذا المجال. ومن ثم يدركون بوضوح أنّ هذا المستوى فوق الطاقة البشرية قطعاً . وينشأ عن هذه الظاهرة ظاهرة أخرى في الأداء القرآني ..هي أنّ النص الواحد يحوي مدلولات متنوعة متناسقة في النص , وكلّ مدلول منها يستوفي حظه من البيان والوضوح دون اضطراب في الأداء أو اختلاط بين المدلولات . وكل قضية وكل حقيقة تنال الحيز الذي يناسبها . بحيث يستشهد بالنص الواحد في مجالات شتى , ويبدو في كلّ مرة أصيلا في الموضع الذي استشهد به فيه , وكأنما هو مصوغ ابتداء لهذا المجال ولهذا الموضع ! وهي ظاهرة قرآنية لا تحتاج منا إلى أكثر من الإشارة إليها ..."[37]
ü بيان أهمية العقيدة وأثرها : إنّ الملابسات والظروف والجوّ العام الذي عاشه سيد في السجن وهو يعيد كتابة الظلال المنقحة كان من وراء تغيير نظرته ومنهجه في التفكير والدعوة والعمل ولعل أهمّ هذه الملابسات والأسباب "سكوت جماهير الشعب على ضرب الحركة الإسلامية بل وتشجيعها ذلك , وهي التي كانت تؤيد الحركة من قبل . وأنّ مردَ هذا إلى عدم إدراك الجماهير لعقيدتها حق الإدراك , وعدم تفاعلها معها , وعدم وقوفها على أهمية العقيدة وملاحظتها لفاعليتها , ومن ثم عدم تحركها بالعقيدة وظهور آثارها على سلوكها وتصرفاتها ... ولقد جعل من أهدافه في الظلال توضيح هذا الأمر وبيان حقيقة العقيدة وطبيعتها ووظيفتها وآثارها في حياة الفرد والأمة. ولذلك كان من قواعده الأساسية في التفسير , فحرص على بيانه وتوضيحه والتركيز عليه في كلّ مناسبة , وفي مواطن عديدة من الظلال ..."[38] ولعل أهم المواضع التي لفتت انتباه المفسّر وركز عليها في باب العقيدة : ــــ طريقة عرض القرآن للعقيدة : "إنّه لا يعرضها في صورة (نظرية)! ولم يعرضها في صورة (لاهوت) ! ولم يعرضها في صورة جدل كلامي كالذي زاوله فيما بعد ما سمي بعلم التوحيد أو علم الكلام ... ! "[39] "كلا ... لقد كان القرآن الكريم يخاطب فطرة الإنسان ... ويستنقد فطرته من الركام , ويخلّص أجهزة الاستقبال الفطرية ممّا ران عليها ... ويفتح منافذ الفطرة لتلقي الموحيات والاستجابة لها ... كما كان يخوض بهذه العقيدة معركة حية واقعية , مع الواقع البشري الجاهلي ...."[40] ـــــ الابتداء بالعقيدة في الدعوة إلى الله وفي بناء صرح أمة الإسلام ... ـــــ ضرورة تمثل التصور الاعتقادي في تجمع عضوي حركي : "إنّ التصور الاعتقادي يجب أن يتمثل من فوره في تجمع حركي , وأن يكون التجمع الحركي في الوقت ذاته تمثيلاً صحيحا وترجمة حقيقية للتصور الاعتقادي..."[41] ـــــ الكون بكل ما فيه تحت سلطان الله : ".... كلّ شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح بالبصر ...كلّ شيء كلّ صغير وكلّ كبير . كلّ ناطق وكلّ صامت . كلّ متحرك وكلّ ساكن كل ماض وكل حاضر كل معلوم وكل مجهول كلّ شيء خلقناه بقدر ... قدر يحدد حقيقته ويحدد صفته ويحدد مقداره ويحدد زمانه ويحدد مكانه ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء . وتأثيره في كيان هذا الوجود ...."[42] ـــــ الفاعلية الإيجابية لصفات الله تعالى : تكلم عن هذه الإيجابية في مقدمة الطبعة المنقحة وفي تفسير سورة الفاتحة وآية الكرسي وفي غير ما موضع من مواضع تفسيره ... وقد "خصّص لها فصلا من فصول كتابه (خصائص التصور الإسلامي) وهو فصل (الإيجابية) عرض فيه للإيجابية الفاعلة لصفات الله في الكون والحياة والإنسان , وقد قارنها بالتصور الجاهلي لله ولصفاته الذي يتسم بالسلبية وعدم الاحتفال من الله بخلقه . وعرض كثيرا من نصوص القرآن التي تقرر هذه الإيجابية ... وتصور تدخل العناية الإلهية علانية في شؤون صغيرة للمسلمين , كما في قصة ابن أم مكتوم والمرأة التي كانت تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي ظاهر منها , كما تصور تدخلها في الأحداث الكبرى في حياة المسلمين كما في رحلة الهجرة وغزوتي بدر وأحد ....."[43]
ü بيان حكم التشريع وتعليل الأحكام : لقد اهتم سيد كثيرا بذكر حِكَمِ التشريعات وتعليلها ولكنّ اهتمامه ذاك كان مؤطرا بضوابط حدّدها في الظلال لعل من أهمها : ـــــ الحكم ليست دائما أمورا محسوسة ومتعلقة بالدنيا فقط , بل قد تكون معنوية وقد يكون المغزى منها مطلق الابتلاء وامتحان الطاعة يقول رحمه الله : "إنني لا أميل إلى تعليق الفرائض والتوجيهات الإلهية في العبادات ــ بصفة خاصة ــ بما يظهر للعين من فوائد حسّية , إذ الحكمة الأصلية فيها هي إعداد هذا الكائن البشري لدوره على الأرض وتهيئته للكمال المقدر له في حياة الآخرة ..." ـــــ موقف المسلم من الأحكام هو التسليم والاطمئنان والتنفيذ والتطبيق طالما هي أحكام الله . إنّ دور العقل هو "إدراك الحقيقة الأولى : حقيقة أنّ هذا الدين من عند الله ... [ثم عليه التسليم ] ... بعد ذلك تلقائيا بكل ما ورد في هذا الدين لا يهم عندئذ أن يدرك حكمته الخفية أو لا يدركها , فالحكمة متحققة حتما ما دام من عند الله , ولا يهم عندئذ أن يرى المصلحة متحققة فيه في اللحظة الحاضرة , فالمصلحة متحققة حتما ما دام من عند الله ..."[44] ــــ عدم الجزم بأن ما أدركه هو الحكمة المقصودة من الأمر والتشريع يقول مثلا : "أما حكمة هذا فلسنا في حل من الجزم بها . لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة , ونفرض على أوامره أسبابا وعللا قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية أو قد تكون , ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها ..."[45] ويقول أيضا : "إنّ بعض الباحثين في حكمة التشريعات والعبادات الإسلامية , يندفعون أحيانا في تعليل هذه الأحكام بصورة توحي بأنهم استقصوا هذه الحكمة , فلم يعد وراء ما استقصوه شيء وهذا منهج غير سليم في مواجهة النصوص القرآنية والأحكام التشريعية ....."[46]
ü البعد الواقعي للنصوص وعموم دلالتها : "لم يقصر سيد الآيات على زمن نزولها فقط , ولم يجعل دلالتها خاصة بأقوام مخصوصين أو زمان ومكان محددين , ولكنه اعتبر دلالاتها عامة , ومعانيها شاملة , تنطبق على كلّ زمان ومكان . كان يحرر تلك النصوص ودلالاتها من قيد الزمان والمكان والتخصيص بهما أو بأحدهما إلاّ ما ورد مقيدا بذلك خاصا به وبذلك تكون النصوص حياة وحيوية , ومهمة عملية حركية واقعية جدية , وتتسع المساحة التي تتحرك عليها , والمجالات التي تشملها , كما يمنحها بعدا واقعيا في انطباقها على الواقع المعاصر الذي نعيشه , ومعالجتها لأحداثه , وتوجيهها لأموره . بل كان حريصا في الظلال على التعريج على الواقع المعاصر والنظر فيه بمنظار القرآن ومعالجته على هديه وبيان ارتباط دلالات الآيات به , وهذا مما منح الظلال حياة وحيوية وجعل له مهمة واقعية وهدفا حركيا ....."[47] وليست هذه الميزة ممّا اختص به الظلال من دزن سائر التفاسير بل كلّ تفسير لا بدّ وأن يتأثر ببيئته ويتسم بسمات عصره "...ومن المعروف أنه لم يخل قرى في التاريخ الإسلامي من مفسرين لكتاب الله ولم يخل عصر من عصور المسلمين من علماء فسروا كتاب الله حسب اختصاصهم وثقافتهم وحاجات عصرهم وانتماءاتهم ولذلك نجد التفسير متسما بسمة عصر المفسر وثقافته من حيث نوع الثقافات ومستواها وبثقافة المفسر نفسه من حيث لونها وتعمقه فيها . ولذلك فإنّ من أراد أن يؤرخ لحالة المسلمين الثقافية والاجتماعية والاعتقادية والأخلاقية والفقهية والمذهبية فإنه يستطيع أن يستخرج الملامح العامة لتلك الحالة في كل عصر من خلال دراسته الفاحصة لتفاسير ذلك العصر ....."[48]
رابعا : الوحدة الموضوعية للقرآن وللسّور
ü التعريف بها :
المقصود بالوحدة الموضوعية وحدة موضوع السور وترابط آياتها واشتراكها في خدمة وتجلية ذات الموضوع وكذا اشتراك جميع السور في موضوع ومنهج وغاية واحدة من أوّل القرآن إلى آخره [49]
فقد كان رحمه الله يرى أنّ للقرآن موضوعا واحدا هو بيان منهج الحياة ومهمة واحدة هي تَمَثُلُ هذا المنهج في حياة الأشخاص والأمم وهدفا واحدا هو هداية البشرية إلى ذات المنهج ... وكلّ ما ورد بين دفتي المصحف لا يخرج عن هذا الإطار قطّ .
وقد بيّن ذلك كلّه في مقدمته التي استغرقت ثمان صفحات من الحجم الكبير.
غير أنّ الآيات والسور اختلفت في كيفية تناول هذا الموضوع فهي في كثير ممّا نزل بالمدينة تُفَصّلُ تشريعات أصحاب هذا المنهج وتبيّن علاقتهم بمخالفيهم من الجماعات والأمم بينما هي فيما نزل بمكة إنّما تتحدث عن أصل هذا المنهج والقاعدة التي ينبني عليها كما تتحدث عن تاريخه الطويل وعن شبه أعدائه عبر مختلف الأزمنة والعصور وتتحدث كذلك عن عاقبة أصحابه ومناوئيه إن في الدنيا أو الآخرة ....
ولتجلية هذه الحقيقة من خلال مختلف السور كان عليه رحمة الله يبتدئ تفسيره لكل سورة بمقدمة يُعرّف فيها بالسورة مبيّنا سبب نزولها إن كان لها سببٌ ومُبَيِّناً الملابسات التي صاحبت نزولها ثم يذكر موضوعها المُوَحّد أو محاورها التي تدور حولها .... يقول عليه رحمة الله : "إنّ كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة , وذات ملامح متميزة , وذات منهج خاص , وذات أسلوب معين , متفرد , وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد , وهذه القضية الكبيرة ...
إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية , ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة , وطرائقها المتميزة ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع وتحقيق هذه الغاية ....
إن ّ الشأن في سور القرآن ــ من هذه الوجهة ــ كالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة : كلهم إنسان , وكلهم له خصائص الإنسانية , وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي الإنساني ... ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشدّ التنوع , نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح , وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلاّ الخصائص الإنسانية العامة !.
هكذا عدت أتصور سور القرآن , وهكذا عدت أحسّها , وهكذا عدت أتعامل معها , بعد طول الصحبة , وطول الألفة , وطول التعامل مع كل منها , وفق طباعه واتجاهاته , وملامحه وسماته ...." اهـ[50]
ويقول أيضا :"... ومن ثمّ يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أنّ لكل سورة من سوره شخصية مميزة , شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس , ولها موضوع رئيسي أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص . ولها جو خاص يظلل موضوعاتها كلها , ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة , تحقق التناسق بينها وفق هذا الجو . ولها إيقاع موسيقي خاص ــ إذ تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة .....و طابع عام في سورة القرآن جميعا ...."[51]
ü اختلاف النقاد والدارسين في تسمية هذا المعلم :
أجمع الدارسون لتفسير الظلال على ذكر هذا المعلم وبيان هذه السمة كما اتفقوا جميعهم على تميّزه بها إنْ بالإحداث والإيجاد عند البعض أو على الأقلّ بالكثرة والإبراز والاطّراد عند غالبهم لكنهم اختلفوا في تسميتها لأنّ صاحب الظلال لم يصطلح عليها بمصطلح خاص فأكثرهم وعلى رأسهم المتخصص الدكتور عبد الفتاح صلاح الخالدي ومثله الأستاذ عبد الرحمان الحاج إبراهيم[52] والدكتور عدنان زرزور في كتابه علوم القرآن[53] اصطلحوا عليها بقولهم الوحدة الموضوعية وذلك تماشيا مع كثرة ما كان يذكر سيد قطب لفظة الموضوع حين يتعرض بالحديث لهذه السمة والميزة فانظر على سبيل المثال لا الحصر كلامه الذي نقلناه في الفقرة السابقة وستجده ذكر لفظة موضوع ثمان مرات
بينما اصطلح عليها الدكتور أحمد بزوي الضاوي[54] بالوحدة النسقية وقد علّل اختياره لهذه التسمية وانتقاده لمصطلح الوحدة الموضوعية بقوله : "وهذا الأساس المنهجي هو ما يمكننا أن نصطلح عليه بالوحدة النسقية للسورة القرآنية , عوضا عن الوحدة الموضوعية والعضوية التي لا تفي بوصف حقيقة وواقع الخطاب القرآني كما أنها توحي بمشابهته للنصوص الأدبية والفكرية التي يبدعها أو يؤلفها البشر , ومعنى ذلك أنها لا تحفظ للنص قدسيته , وهي من كليات العقيدة الإسلامية ..."[55]
أما الدكتور محمد عبد الله دراز[56] فيطلق عليها اصطلاح الوحدة العضوية[57]
ويطلق عليها الدكتور جابر علوان [58] وكذا الأستاذ محمود البستاني مصطلح الوحدة البنائية [59] أو عمارة القرآن
كما يطلق عليها الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة[60] مصطلح مقاصد السور
وجمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين يطلقون عليه اصطلاح المناسبة أو التناسب سواء بين السور أو الآيات
بينما يطلق عليها المعلم عبد الحميد الفراهي الهندي في تفسيره "تأويل الفرقان بالفرقان" تسمية نظام القرآن
ولا مشاحة في اللفظ إذا توافقت المعنى ...... ولم نَسُقْ هذه الاصطلاحات والتسميات إلاّ ليكون الطالب على دراية بمدلولاتها وأنّها في مجموعها بمعنى واحد هو اتفاق سور القرآن في مواضيعها ومحاورها وهو أمر لا ينكره أحد وليس أدلّ عليه مثل قوله تعالى : {أفلا يتدبرون القرآن , ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}
Ø هل يُعَدّ سيد قطب مكتشف هذه السمة في القرآن الكريم ؟
حتى وإن عدّه بعض الدارسين القاصرين وكثير من التابعين المتعصبين مكتشف هذه النظرية ورائدها فإن الحق الذي يثبته البحث العلمي الدقيق والمتأني خلاف ذلك . لأنّ الوحدة الموضوعية كما يسميها البعض هي ذاتها المناسبة أوالتناسب بين آيات وسور القرآن الكريم ــ وبتعبير أدقّ هي جزء من هذا العلم القديم ــ فهذه السمة والحقيقة القرآنية كانت معروفة قديما عند السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم والتي سُجِلت فيما بعد كنكت وفوائد وملاحظات في مختلف المصنفات ثم ألفت فيها كتب خاصة جعلت من هذه الملاحظات علما قائما بذاته له قواعده وضوابطه وله حدوده ومسائله وسنحاول هاهنا بيان ذلك بشيء من الإيجاز نرجوا أن لا يكون مخلاًّ
لقد مرّ هذا العلم كغيره من العلوم بمراحل عدة قبل أن ينضج باكتمال حدوده ومبادئه ولعل أول مراحله لما كان كغيره من العلوم معروفا عند السلف دون أن يسموه أو يحددوه, علم يستعان به على فهم كتاب الله وتقريب معانيه يستقونه ممّا حباهم الله به من العلم بلسان العرب ورجاحة العقل وتعاليم الوحي والنبوة .....
يقول الدكتور محمد بن عبد الله الربيعة : "العلم بمقاصد السور لم ينص عليه الأوائل , وإنما اعتبره الصحابة والتابعون ــ بالاستقراء والممارسة في تفسيرهم , ولم ينص على هذا العلم بهذا الاسم إلاّ عند المتأخرين , ذلك شأن جميع العلوم , فأنّ العلوم كانت ممارسة عند السلف , ولكن التسمية جاءت متأخرة , فعلم النحو مثلا كان ممارسا ولم يكن موجودا , وعلم البلاغة كان ممارسا ولم يكن موجودا , وهكذا في علوم القرآن في أنحاء شتى , ومصطلح الحديث وعلوم أخرى ."[61]
ويقول الإمام البقاعي[62] في كتابه مصاعد النظر : "وقد كان أفاضل السلف يعرفون هذا , بما في سليقتهم من أفانين العربية , ودقيق منهاج الفكر البشرية , ولطيف أساليب النوازع العقلية , ثم تناقص العلم حتى انعجم على الناس , وصار حد الغرابة كغيره من الفنون "[63]
ويذكر فضيلة الدكتور نور الدين عتر[64] في مذكرته "علم المناسبات" أنّ أوّل ما بدأ به علم المناسبات شذرات على لسان السلف رضي الله عنهم يستأنسون بها في تفسير القرآن ولا سيما في اجتهاداتهم وحواراتهم .... انتهى كلامه
واختلفوا في أوّل من سجل هذا العلم أو فصولا منه ولو منسوبا لغيره من العلوم ؛ فذهب الدكتور عتر إلى أنّ أوّل ظهور هذا الفنّ مسجلا كان على يد الإمام أبي جعفر الطبري المتوفي سنة 310 هـ وهو مذهب يعوزه الدليل والإحالة إلى ما كتبه ابن جرير عليه رحمة الله في هذا الباب خاصة وأنّ تفسيره متوفر وموجود بين أيدينا يقول الدكتور عبد الفتاح صلاح الخالدي مناقضا ومعارضا ما ذهب إليه الدكتور عتر : " ... من المفسرين السابقين من لم يلتفت إلى الوحدة الموضوعية , ولم يهتم ببيانها في تفسيره , كما فعل الإمام محمد بن جرير الطبري , الذي يبدو أنّ منهجه في التفسير هو جمع الروايات والأقوال المأثورة في تفسير الآية أو المقطع من مقاطعها ــ هو الذي حدد له طريقه في التفسير , ومن ثم تجاوز الكلام عن الوحدة الموضوعية ...." اهـ [65]
وجمهور الدارسين لهذا العلم يرون أنّ أوّل من أظهره الإمام أبو بكر النيسابوري[66] يقول الشيخ أبو الحسن الشهراباني[67]: "«أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ـ ولم نكن سمعناه من غيره ـ هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري ، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، كان يقول على الكرسي إذا قُرئت عليه الآية: لِمَ جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يُزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة»[68]
ثم لم يزل كذلك شذراتٍ , فواصلا , نكتا , وفوائداً , متفرقة في كتب التفسير وعلوم القرآن تكثر عند هذا وتقلّ عند ذاك إلى أن جاء الأستاذ أبو جعفر بن الزبير الغرناطي[69] شيخ أبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 708 هـ فألف كتابه "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن" وقد حقّق هذا الكتاب كلّ من الدكتور سعيد الفلاح [70]والأستاذ شعباني محمد في رسالة ماجستير مقدمة لدار الحديث الحسنية بالرباط قال عنه سماحة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي حفظه الله في مقدمة تحقيق الدكتور سعيد الفلاح بقوله (كتاب أصيل من نوادر المخطوطات في هذا الفن ويعد عمدة المصنفات في هذا الباب بل هو أقدم المؤلفات المعروفة التي أفردت فيه وكثيرا ما ذكره العلماء وأحالوا إليه ونقلوا واستفادوا منه) وممّا قاله فيه صاحبه مبينا أسبقيته بالتأليف في هذا العلم : "أما تعلق السور على ما ترتب في الإمام واتفق عليه الصحابة , فمما لم يتعرض له فيما أعلم ولا قرع أحد هذا الباب ممن تأخر أو تقدم " اهـ[71]
ثم جاء بعده برهان الدين البقاعي الذي انتشر وعرف على يديه هذا العلم لأنّه أوّل من جعل له حدودا وتعريفات وبيّن أقسامه وأبوابه وفصّل فيه القول أحسن تفصيل وذلك في كتابيه "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" المشهور بتفسير البقاعي ومختصره "دلالة البرهان القويم على تناسب آي القرآن العظيم"
ثم توال التأليف في هذا العلم تترا فللسيوطي في الباب كتب ثلاث "أسرار التنزيل"[72] "تناسق الدرر في تناسب السور"[73] "مراصد المطالع في تناسب المقاصد والمطالع"
ولأبي الفضل عبد محمد الصديق الغماري[74] كتاب "جواهر البيان في تناسب سور القرآن"
وللمولوي أشرف علي التهانوي[75] "سبق الغايات في نسق الآيات"
وللمعلم عبد الحميد الفراهي [76]"دلائل النظام"
وممن عرض لهذا العلم والفن من المفسرين قبل سيد قطب عليه رحمة الله
Ø أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن البخيبي اليمني الحرّالي نزيل حماة من بلاد الشام في تفسيره الذي يقول فيه البقاعي : " .... فرأيته عديم النظير , وقد ذكر فيه المناسبات , وقد ذكرت ما أعجبني منها وعزوته إليه"
Ø ابن النقيب الحنفي[77] في تفسيره وهو في نحو ستين مجلدا يذكر فيه المناسبات بين الآيات وبين السور
Ø الزمخشري في الكشاف فقد جعل للمناسبة حظا من تفسيره
Ø الفخر الرازي في مفاتيح الغيب فقد اعتنى فيه بالمناسبات من جملة ما اعتنى به من العلوم
Ø أبو حيان الأندلسي تلميذ أبي جعفر بن الزبير في تفسيره البحر المحيط
Ø أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى الطحاوي في إرشاد العقل السليم
Ø المخدوم المهيامي الهندي في "تبصير الرحمن وتيسير المنان "
Ø أحمد مصطفى المراغي في تفسيره
Ø محمد رشيد رضا في تفسير القرآن العظيم المعروف بتفسير المنار
Ø وأخيرا في ظلال القرآن لسيد قطب
ملاحظة : لماذا جعلنا هذه السمة من المعالم التي تميز بها تفسير الظلال رغم ما تقدم من البيان بأنه لم يكن مكتشفها ولا رائدها ولا أبرز من تناولها ؟
أوّلا: الاطّراد ؛ هو أوّل (إذا استثنينا الإمام البقاعي ) مفسر اشتغل وعمل على بيان هذه السمة والميزة من أوّل القرآن إلى آخره
ثانيا : الإبداع في بيانها وحسن طَرْقِها
ثالثا : التميّز عن غيره ببيان المناسبات العلمية الموضوعية المتماشية ومقاصد الشريعة وسياق القرآن بعيدا عن التفسيرات الإشارية التي كَثُرَ الاشتغال بها عند جمهور من كتب في علم التناسب بين الآيات والسور حتى وإن كانت تفسيرات في غاية الجودة والدّقة والحسن والصحة[78]
خامسا : التركيز في مواضيع السور ومناسباتها على الجانب الدعوي وبيان طريقة عمل هذا الدين في حياة الأشخاص والأمم ... ويمكننا أن نعتبر هذا الموضوع من أهمّ إن لم يكن أهمّ ما يشغل الناس اليوم علماءهم وعامتهم وهذا ما يفسر الإقبال الواسع والتعلق الشديد بهذا الكتاب
الوحدة الموضوعية ؛ المنهجية والتقعيد :
قبل أن نشرع في الحديث عن كيفية تناول سيد قطب في تفسيره للوحدة الموضوعية ؛ أسلوب عرضها ووسائل بيانها أردنا أن نقدم بهذا المطلب والذي نبيّن فيه إن شاء الله المعالم العلمية والأسس المنهجية التي يذكرها الدارسون والباحثون ويشترطونها في التفسير الموضوعي الصحيح حتى نطبقه فيما بعد على تفسير الظلال لنرى هل كان موفقا في طريقته ومنهجه في التفسير أم أنه سار على طريقة مخالفة لما سطّره الدارسون والمتخصصون
يعدد الباحثون مجموعة من المعالم المنهجية والخطوات الإجرائية التي ينبغي للمفسر أن يتبعها لكي يوفق في التفسير الموضوعي ولعل أبرز هذه المعالم ما يلي :
1) ذكر اسم السورة التوقيفي أو التوفيقي وبيان حكمة التسمية وعلاقته بالموضوع وإن كان للسورة عدة أسماء ناقشها جميعا
2) الحديث عن البعد الزمني والمكاني لنزول السورة
3) الملابسات والظروف التي نزلت فيها السورة ( المرحلة المكية بمختلف فتراتها الأولى , الوسطى , والأخيرة , المرحلة المدنية بمختلف فتراتها كذلك ...)
4) التعرف على موضوع السورة الرئيسي والمحاور الفرعية المصاحبة له
5) تحديد أهداف السورة ومقاصدها الرئيسية
6) تقسيم السور ــ خاصة الطويلة منها ـــ إلى مقاطع وأقسام مع بيان ما يمثل مقدمة السورة من هذه المقاطع وما يمثل وسطها ولبّها وما يمثل خاتمتها
7) إن لم يتيسر تقسيم السورة إلى مقاطع لقصرها أو لسبب آخر فعلى المفسر أن يبيّن العلاقة والصلة بين جميع وحدات السورة المفَسَرة وموضوعها الرئيسي
8) ربط السورة بما بعدها وقبلها من السور باعتبار ترتيب المصحف الشريف
9) محاولة ربط التفسير الموضوعي للسورة بالواقع المعيش ومعالجة مشكلات العصر
10)الاطلاع على مختلف التفاسير (بالرواية والدراية والإشارة ) للتوثيق أو للاستفادة من التفسير التحليلي أو الجزئي والمَوْضِعي
هذا من حيث الإجراءات والخطوات التي يجب إتباعها في التفسير الموضوعي للسور أما من حيث تحديد موضوع السور وهدفها وغايتها ومراقبة حفاظها على نفس المحاور في جميع جزئيات السورة ومراحلها نذكر ها هنا بعض ما ذكره الأستاذ محمود البستاني في مقدمة تفسيره
ـ أولا : من حيث الموضوعات والأهداف: فالسورة الكريمة تتخذ أحد الأبنية الآتية من حيث علاقة موضوعاتها بالأفكار المطروحة فيها:
1) وحدة الفكرة ووحدة الموضوع
2) وحدة الفكرة وتعدد الموضوع
3) وحدة الموضوع وتعدد الفكرة
4) تعدد الفكرة وتعدد الموضوع
ـــ ثانيا : من حيث الأشكال: تتخذ السورة واحداً من الأبنية التالية
1) البناء الأفقي : وهو أن تبدأ السورة بموضوع وتختم بالموضوع ذاته عبر سلسلة من الموضوعات المتنوعة
2) البناء الطولي: وهو أن تبدأ السورة بموضوع تتدرج في عرضه، بحيث يُختم الموضوع مع نهاية السورة.
3) البناء المقطعي : وهو أن تطرح السورة جملة من الموضوعات. تنهي كل واحدٍ منها بآية أو أكثر تتكرّر في المقاطع جميعاً، مثل: (فبأي آلاء ربكما تكذبان . )
ثالثا : من حيث العلاقات: تتخذ السورة واحدة من العلاقات الآتية
1) السببية: ويُقصد بها أنّ الموضوعات في السورة يترتب أحدها على الآخر على نحو (السببية) بحيث يكون الموضوع (سبباً) للاحقه، و(مسبّباً) عن سابقه
2) النموّ: ويقصد به أن الموضوع ينتقل أو يتحول أو يتطور من مرحلة إلى أخرى كما يتنامى النبات ويقطع مراحل متنوعة حتى يصل إلى نهاية نموّه.
3) التجانس: ويُقصد به مجانسة كل عنصر من عناصر النص مع الآخر، أي مجانسة الموضوعات مع الأفكار بالنسبة إلى الأدوات الفنية المستخدمة كعنصر القصة والصورة والإيقاع، و...الخ.
فعلى من أراد أن يكتب في التفسير الموضوعي للسور أن يلتزم بهذه الخطوات والإجراءات المنهجية وأن تندرج موضوعات السور ومحاورها في إحدى الخانات المتقدمة الذكر
منهجية سيد قطب في حديثه وبيانه للوحدة الموضوعية :
سنعرض لمنهجية سيد وطريقته في التفسير الموضوعي في شكل نقاط ومعالم على أن نذكر بعض الأمثلة والنماذج في آخر المطلب
ü بدأ سيد قطب ببيان الوحدة الموضوعية للقرآن كلّه وذلك من خلال مقدمته التي استغرقت ثمان صفحات من الحجم الكبير تحدث فيها عن موضوع مهمة وغاية القرآن الكريم وثنّى ذلك بالحديث عن تجربته معه وعيشه في ظلاله وعن المكتسبات التي استفادها منه ....
ü لم يضع سيد للفاتحة مقدمة على غير عادته والظاهر والله أعلم أن مقدمته للقرآن كله هي بمثابة مقدمة للفاتحة كذلك أو أنّه جعل من الفاتحة مقدمة لباقي السور وتوطأة لها فترك التقديم لها واستغنى عنها بما سيذكره في مقدمات باقي السور
ü قسّم عليه رحمة الله تفسيره إلى ثلاثين جزءا بعدد أجزاء القرآن يقدم لكل جزء بفاتحة يتحدث فيها عن موضوعه الرئيس وعن محاوره المختلفة وعن علاقته بالجزء الذي قبله... فأنت تراه عند انتهائه من تفسير أوّل جزء من القرآن الكريم وشروعه في الجزء الثاني يبيّن العلاقة ويحاول الربط بين الجزأين قائلاً : "ومن مراجعة هذا الجزء بالإضافة إلى الجزء الأوّل من السورة ندرك طبيعة المعركة التي يخوضها القرآن ..."
ü إذا كان الجزء مكونا من عدة سوّر فإنّه يقسمه إلى سوره ويجعل لكل سورة فاتحة هي بمثابة المقدمة لها والتعريف بها , أما إذا كان الجزء مكونا من سورة واحدة أو أنه بعض السورة كما هو الشأن في السور الطوال (البقرة , آل عمران , النساء , المائدة , الأنعام , الأعراف ) فإنّه يعرف بالسورة أولا ثم يقسم الجزء إلى آيات ومقاطع وفق نهج مخصوص كما سيأتي
ü "السور والآيات المكونة للجزء تقسم إلى مقاطع , كل مقطع يتضمن مجموعة من الآيات تطول أو تقصر , والرابط بينها طبيعة الموضوع , أو الأفكار أو الأحكام والتشريعات , أو التوجيهات والعبر والمواعظ , أو المشاهد والظلال , أو الإطار القصصي , ومن ثم فإنّ كل مقطع يشكل وحدة تميزه عن المقطع الذي يسبقه والذي يليه , ويؤدي دورا لا غنى للسياق عنه , ولا يمكن لبناء السورة أن يستقيم بدونه , سواء من الناحية التصويرية أو من الناحية الأسلوبية الجمالية ." [79]
ü وكما جعل للقرآن كلّه مقدمة وللأجزاء والسور فإنه يجعل للمقاطع مقدمات وفواتح كذلك يبيّن من خلالها موضوع المقطع وعلاقته بالموضوع الرئيس للسورة أو للجزء كما يبين علاقته بالمقطع الذي قبله وأحيانا بالذي يليه كذلك . والملاحظ هنا أنّه عليه رحمة الله اختلفت اصطلاحاته عند الحديث عن أجزاء السورة الواحدة , فهي إن كانت مدنية استعمل اصطلاحات مثل : المقطع , القطاع , الدرس , المشهد وإن كانت مكية نجده يستعمل اصطلاحات أخرى نحو : الموجة , الموجات , اللمسة , الجولة يقول الأستاذ أحمد بزوي :"وهذا التغير في المصطلح له دلالاته , فهو ليس عملية اعتباطية , ولا ارتجالية , وإنما هو تعبير عن اختلاف الأسلوب العام للسور القرآنية , واختلاف طريقة معالجتها لموضوعها المحوري , ممّا يجعل كل واحدة من السور ذات شخصية متميزة , وهذا التمايز في الشخصية يفرض تمايزا آخر في الطريقة والمنهج الذي يستخدمه المفسر وهو يباشر عملية تفسير سور القرآن الكريم ..."[80]
ü يفسر سيد قطب رحمه الله المقاطع من خلال تقسيمها إلى بُنْيَاتٍ ؛ وهي مجموعة من الآيات أو آية طويلة تعالج قضية واحدة أو تشترك في خاصية واحدة فنّية جمالية أو منهجية أو موضوعية ..... وهذه البنيات لم تخرج عن منهجه في التفسير كذلك فإنّه يفتتحها بمقدمة يعرِّفها بها من حيث محورها وعلاقتها بالبنية التي قبلها والتي بعدها وبموضوع المقطع كلّه . نُمَثِّل لمقدمات البنيات بتفسيره لقوله تعالى : {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله ..........واعلموا أنَّ الله شديد العقاب} يقول عليه رحمة الله :"وأوّل ما يلاحظ في بناء الآية هو تلك الدقة التعبيرية في معرض التشريع , وتقسيم الفقرات في الآية لتستقل ببيان الحكم الذي تستهدفه , ومجيء الاستدراكات على كل حكم قبل الانتقال إلى الحكم التالي , ثم يربط هذا كله في النهاية بالتقوى ومخافة الله ...."
ü ثم ينتقل سيد إلى تفسير عناصر البنيات وهي إمّا آية صغيرة أو أجزاء من آية يستخلص منه المواعظ والعبر أو التشريعات والحِكم , وتفسير سيد هاهنا وإن كان من التفسير المَوْضِعي أو التفسير الجزئي إلاّ أنّه يلتقي مع التفسير الموضوعي في كونه يربط العناصر بالبنيات والمقاطع والسور من خلال بيان علاقتها بها وأنّها لا تخرج عن موضوعها الرئيس الذي سطره في مقدمة الجزء أو السورة
ü غالبا ما يختم سيد جميع مستويات تفسيره سواء منها الأجزاء أو السور أو المقاطع بحوصلة جميع ما ذكره و بإعادة ربط الأواخر بالأوائل
ü وبناء على ما سبق يمكننا القول بأن منهجية سيد في التفسير قائمة على مراحل ثلاث :
1) التجميع : من خلال مقدمة القرآن أوّلا ومقدمات الأجزاء والسور والمقاطع والبنيات إذ يعتمد فيها على النظرة الإجمالية الشاملة لمجموعة الآيات المفَسَّرة
2) التفصيل : من خلال الأجزاء بالنسبة للقرآن كله والسور بالنسبة للأجزاء والمقاطع بالنسبة للسور والبنيات بالنسبة لجميع ذلك وفيها يعتمد تفصيل وبيان ما أجمله في المقدمة بشرح العناصر وتفسيرها وربطها بمقدماتها
3) إعادة التجميع : بذكر العلاقة بين الأواخر والأوائل أو بذكر حوصلة وخاتمة للمستوى المُفَسَّر يبين فيها علاقته بالموضوع الرئيس واشتراك جميع جزئيات المستوى فيه , فهو يعتمد في هذه العملية على العودة بالتفصيلات المذكورة في الحشوّ إلى مقدماتها حتى لا يخرج ذهن القارئ وانتباهه عن الوحدة الموضوعية لتفسير الجزء أو السورة أو المقطع ...
ولو حاولنا المقارنة بين ما سطّره الدارسون والمتخصصون من إجراءات وخطوات ينبغي للمشتغل بالتفسير الموضوعي أن يتبعها وبين صَنيع سيد قطب لوجدنا بينهما مطابقة تامة اللهمّ إلاّ في عدم تعرض سيد قطب للمناسبة بين أسماء السور وبين مواضيعها ولعل السبب من وراء أخذه بمذهب القائلين أنّ جلّ أسماءِ السور اجتهادية بدليل تعددها وكثرة الاختلاف فيها أو أنّه كان يعتقد أنّ لا علاقة بين الأسماء والمسميات من حيث الدَلالة والموضوع
بل إنّنا نجد أنفسنا ملزمين بالقول أنّ كثيرا من هذه المعالم الإجرائية والمنهجية إنّما أخِذَت من تفسير الظلال ذاته وذلك كما فعل الأستاذ محمود البستاني والطالب الباحث عدنان البحيصي وغيرهم ممّن ذكر هذه الإجراءات والخطوات إذ جُلّهم إن لم نقل كلهم من المعاصرين المتأخرين عن سيد قطب عليه رحمة الله
خامسا : التفسير الموضوعي عند سيد قطب سنحاول في هذا المطلب أوّلا تقديم بيان الفرق بين كلّ من الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي وعلم التناسب أو المناسبة حتى يتبيّن لنا سبب التفريق بين المعلم الرابع والخامس (الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي) من هذه المعالم التي امتاز واختص بها الظلال ثم نخلص بعد ذلك إلى بيان منهجية سيد في تناوله للتفسير الموضوعي
1) الفرق بين علم التناسب والتفسير الموضوعي والوحدة الموضوعية : أ ـ من حيث التعريف : عرّف الإمام البقاعي علم التناسب مبيّنا ثمرته وفوائده بقوله :"علم تعرف منه علل الترتيب , وثمرته الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه وما أمامه من الارتباط الذي هو كلحمة النسب , فَعِلْمُ مناسبات القرآن علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه , وهو سرّ البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه الحال ." أما التفسير الموضوعي يعرفه الدكتور مصطفى مسلم بقوله :"هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر" وتُعرّف الوحدة الموضوعية بقولهم :"النظر في السورة القرآنية من حيث كليتها ونظمها , لا من حيث الدلالة التفصيلية لآياتها " ب ـ من حيث تاريخ ظهورها والتدوين فيها : أما علم التناسب فهو علم قديم كما ذكرنا سالفا ولعل أوّل من ألّف فيه كتابا مستقلا هو الأستاذ أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان وأوّل من بيّن حدوده وضبط قواعده هو الشيخ برهان الدين البقاعي في كتابه "نظم الدرر في تناسب الآي والسور" أما التفسير الموضوعي فهو علم حديث وإن وُجِدت أصوله في طيات كتب ومؤلفات المتقدمين ولكنه لم يظهر بهذا الاسم والمصطلح إلاّ نهاية القرن الرابع عشر ولعل بدايته كعلم له حدوده الخاصة وضوابطه واصطلاحاته التي تفرد بها كانت على يد الأستاذ الدكتور محمد محمود حجازي عام 1967 ش حين قدم أطروحة الدكتورة لجامعة الأزهر الشريف بعنوان "الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم" وله كتاب هو نوع من التطبيق لنظريته تلك بعنوان "التفسير الواضح" وسنعود للحديث عن تاريخه القديم عند الحديث عن أقسامه وأنواعه لأنّ التأليف فيه قديما اختلف باختلاف هذه الأقسام والأنواع فلا يستقيم الحديث عن تاريخه القديم قبل معرفة أقسامه وأنواعه أما الوحدة الموضوعية فقد بدأ الاهتمام بها قديما ولعل من أشهر من أشار إليها واهتم بها الإمام الباقلاني في حديثه عمّا سماه "نظم السورة" كما اهتم الرازي في مفاتيح الغيب بمناسبات الآي في السورة الواحدة وقد اشتهر كلّ من شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الوفيّ ابن القيم عليهما رحمة الله بمواضيع السور كما أشار الإمام الشاطبي إلى مقاصدها ولعل أشهر من تحدث عن وحدة السورة باعتبار موضوعها هو الإمام البقاعي والذي " اعتبر القرآن وحدة مترابطة وأنّ هذه الوحدة تسري بين سوره وآياته , فكل سورة لها مقصد واحد يدور عليه أولها وآخرها , ويستدل عليه فيها " ومن أبرز من ألّف فيه بل ونظّر له في عصرنا هذا الأستاذ عبد الحميد الفراهي في نظريته حول "نظم القرآن" فهو يرى أنّ لكل سورة صورة مشخصة وأنّ للسور عمودا يجري إليه الكلام ثم جاء بعده الأستاذ محمد عبد الله دراز الذي تحدث عم وحدة عضوية للسورة ونظام معنوي وبنية متماسكة ويعتبر الدارسون سيد من رواد هذا العلم خاصة من الناحية التطبيقية حتى جعلته العديد من الدراسات المتخصصة نموذجا للبحث عن ضوابط هذا العلم ومعالمه .... ج ـ من حيث أقسامها وأنواعها : ينقسم علم التناسب إلى أقسام عدة وأنواع شتى أوصلها بعض الدارسين إلى حوالي ثلاثة عشر قسما يمكننا تصنيفها باعتبارين اثنين الأوّل منهما باعتبار التناسب في السورة نفسها فهي ستة أقسام
ü مناسبة اسم السورة لمقصدها وموضوعها
ü مناسبة أوّل السورة للمقصد الذي سيقت له ويسميه البعض رعاية الاستهلال
ü المناسبة بين الآيات في السورة الواحدة واتحادها في خدمة الموضوع الرئيس من أوائل من اهتم به الإمام الباقلاني يقول عليه رحمة الله :"فأما نهج القرآن ونظمه , وتأليفه ورصفه , فإنّ العقول تتيه في جهته , وتحار في بحره , وتضل دون وصفه ... فهذا علم شريف المحمل , عظيم المكان , قليل الطِّلاب , ضعيف الأصحاب , ليست له عشيرة تحميه , ولا أهل عصمة تفطُن لما فيه وهو أدق من السحر وأهول من البحر, وأعجب من الشعر..."[81] ويقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره :"أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات " ويقول في تفسيره لسورة البقرة :"ومن تأمّل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أنّ القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه، فهو أيضًا معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته، ولعلّ الذين قالوا: إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك، إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير متنبهين لهذه الأمور، وليس الأمر في هذا الباب إلاّ كما قيل:
والنجمُ تستصغرُ الأبصارُ رؤيتَهُ والذنبُ للطَّرْف لا للنجْم في الصِّغَرِ"[82]
ü مناسبة فواتح السور لخواتمها يقول أبو حيان في هذا النوع من التناسب : "تتبعت أوائل السور المطولة فوجدتها يناسبها أواخرها , بحيث لا يكاد ينخرم منها شيء , وسأبين ذلك إن شاء الله في آخر كل سورة , وذلك من أبدع الفصاحة , حيث يتلاقى آخر الكلام المفرط في الطول بأوله , وهي عادة للعرب في كثير من نظمهم , يكون أحدهم آخذاً في شيء , ثم يستطرد منه إلى شيء آخر , ثم إلى آخر , هكذا طويلا , ثم يعود إلى ما كان آخذا فيه أولا ..."وللإمام السيوطي كتاب أفرده لهذا القسم سماه "مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع"
ü المناسبة في الآية الواحدة بين فواصلها ومضمونها "وهذا من دقيق التناسب في القرآن ولطيفه، تحدّث عنه البلاغيون وسموه تشابه الأطراف، وهو أن يختـم الكلام بما يناسب أوله في المعنى، ومنه قول الله تعالى: (له مافي السموات ومافي [الحج:64] فختْم الآية بقـوله سبحانه:.الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) (وإن الله لهو الغني الحميد) فيه تنبيه على أن ما له ليس لحاجة، بل هو غني عنه، جواد به، فإذا جاد به حمده المنعم عليه." [83]
ü هناك من ذكر نوعًا عجيبًا من التناسب هو: اختصاص كل سورة من السور المفتتحة بالحروف المقطعة بما بدئت به؛ فمثلاً سورة (ق) تكرر فيها حرف القاف أكثر من خمسين مرة، وسورة يونس تكررت الراء فيها قرابة مائتي مرة، وسورة (ن) تكررت النون فيها أكثر من مائة وعشرين مرة.
أما باعتبار المناسبات بين مختلف السور فسبعة أقسام وأنواع هي
ü مناسبة مضمون كلّ سورة لما قبلها
ü بيان أنّ كل سورة شارحة لما أجمل في السورة التي قبلها يقول الإمام السيوطي في هذا المجال :"كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها , وشرح له , وإطناب لإيجازه , وقد استقر معنى ذلك في غالب سور القرآن , وطويلها وقصيرها "[84]
ü المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمة التي قبلها يقول الإمام الزركشي :"إذا تتبعت افتتاح كلّ سورة وجدته في غاية المناسبة لما ختم له السورة قبلها ."[85]
ü المناسبة بالتكرار القصصي يقول الإمام البقاعي عليه رحمة الله :" به يتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى ادعي في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له بالتأخير والتقديم والإيجاز والتطويل مع أنها لا يخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكونت به القصة، وعلى قدر غموض تلك المناسبات يكون وضوحها بعد انكشاف" وبين سيد قطب قيمة هذا النوع من التناسب في تميز القصص القرآني، يقول: "وإن سياقة القصص في القرآن بهذا التنسيق في عرضه؛ وبهذا التناسق بينه وبين الموضوع الذي يساق فيه، ويستشهد بالقصص عليه؛ وبهذا التناسب بين أهداف القصص وأهداف السياق في السورة الواحدة، إن هذا كله ليشهد بالقصد والتدبير العميق اللطيف الذي لا يلحظ في الأساطير المبعثرة التي لا تجمعها فكرة، ولا يوجهها قصد، إنما تساق للتسلية وتزجية الفراغ!" . ويقول في موضع آخر: "المناسبات كثيرة وواضحة بين موضوع السورة وإشارات القصة ومواقفها." [86]
ü المناسبة بين فاتحة السورة وفاتحة التي قبلها كالمناسبة بين السور المفتتحة بـ : {حم} أو {ألم} أو {ألمر} ونحو ذلك
ü "تنوع الأساليب البلاغية , ووجوه الخطاب , في السور ومناسبتها للسور.
ü "وجوه اختيار المترادفات , وأسرار اختلافها من سورة إلى أخرى "
أما التفسير الموضوعي فينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار المفردات باعتبار السورة باعتبار الموضوع
Ø القسم الأول التفسير الموضوعي للمصطلح القرآني : وهي عبارة عن دراسة لدلالة المفردات القرآنية داخل القرآن الكريم يقوم الباحث فيها باختيار لفظة أو مصطلح يتكرر ذكره في القرآن الكريم فيتتبع المواضع التي ذكر فيها مبيّنا مشتقاته ومنقبا عن دَلالاته في القرآن الكريم خاصة وأصل هذا الصنف وجذوره نجدها في علم الأشباه والنظائر أو الوجوه والنظائر المعروف في علوم القرآن ولعل من أوّل من كتب فيه مقاتل ابن سليمان البلخي المتوفى سنة خمسين ومائة للهجرة ( 150 هـ ) في كتابه "الأشباه والنظائر" ذكر فيه مجموعة من الكلمات والمصطلحات التي اتحدت في اللفظ واختلفت في المعنى والدلالة بحسب موضعها في القرآن الكريم وممّن اعتنى بهذا القسم من التفسير الموضوعي من المعاصرين الأستاذ أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها "بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي" أصدر منها كتاب "الذين في قلوبهم مرض" و "فطرة الله التي فطر الناس عليها" و "الأمة في دلالاتها العربية القرآنية" وغيرها ... ولعل الفائدة الأولى من هذا النوع من التفسير أنه قد يوقف المفسر على بعض الألفاظ والمصطلحات التي يتخذ لها القرآن معاني ودلالات محددة غير دلالاتها اللغوية والاعتماد على مطلق معانيها اللغوية قد يُخرج المفسر عن معناها الشرعي المراد منه ... "وبالرغم من أنّ هذا النوع من التفسير لكلمات القرآن يعتمد مبدأ "البنائية" للقرآن الكريم , فإن بعض الباحثين لا يعتبره من التفسير الموضوعي ذلك أنه لا يعطي صورة كاملة عن موضوع ما أو سورة ما , ولكن تفسير مفردات القرآن الكريم وتحديد دلالته هو في الواقع تحديد للمفاهيم ."
Ø القسم الثاني التفسير الموضوعي باعتبار السورة : "فيقصد به وحدة السورة موضوعيا أو عضويا أو نسقيا على اختلاف في الاصطلاح , وخلاصته أنه (النطر في السورةالقرآنية من حيث كليتها ونظمها , لا من حيث الدلالة التفصيلية لآياتها ) "[87] وقد تقدم الحديث عن قدم هذا النوع من التفسير في كتابات القدماء كالإمام الباقلاني والرازي وابن تيمية وتلميذه ابن القيم والبقاعي وعن جهود المعاصرين كعبد الحميد الفراهي ومحمد عبد الله دراز ومحمود البستاني ويعتبر سيد قطب أحد رواد هذا التفسير بل هو رائدها وزعيمها من الناحية التطبيقية بلا منازع لا يشاركه فيها ـ قبله ـ إلاّ الإمام البقاعي رحمه الله يقول عنه بعض الدارسين :"ومنهم من جعل الهدف من تفسيره ـ وهو برهان الدين البقاعي ـ بيان هذه الوحدة , إلاّ أنه لم يقدمها بصورة شاملة مفصلة دقيقة في جميع السور والآيات ..."[88]
Ø القسم الثالث التفسير الموضوعي : وهذا النوع هو الأكثر شهرة وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق تعبير التفسير الموضوعي "وهو أن يختار الباحث موضوعا من القرآن , له أبعاده الواقعية في الحياة أو العلم أو السلوك .... , ممّا يفيد المسلمين منه ويشكّل منه موضوعا معينا , يخرج بخلاصة تساعد على حلّ مشاكل المسلمين ومعالجة أمورهم ."[89] وقد تتبع الدكتور سامر رشواني الأصول التاريخية لهذا القسم من التفسير الموضوعي فوجد له نماذج عند المعتزلة وخاصة الجاحظ في دراسته عن "النار في القرآن" ثم تلتها دراسات أخرى اشتهرت وذاعت خاصة باعتماد منهجية أو قاعدة تفسير القرآن بالقرآن ولعل من أشهرها دراسة شيخ الإسلام "للسنة في القرآن" وشبيه بهذا القسم في المنهجية والطريقة على الأقل تفاسير الأحكام ومثله كتب الناسخ والمنسوخ أما في زمننا المعاصر فقد كان للمستشرقين دور كبير في بعث هذا النوع من التفسير من جديد على يد المستشرق الهولندي "فت" الذي نشر دراسة سنة 1845 ش بعنوان "محمد والقرآن" وتتالت دراسات المستشرقين في مختلف المجالات الإسلامية العقائدية والتشريعية والسلوكية والتاريخية وغيرها ... ثم تُوّج هذا العمل بصدور "دائرة معارف القرآن"[90] . كما كان لمدرسة المنار والاتجاه الإصلاحي دوره البارز في كثرة الاهتمام بهذا النوع من التفسير ثم جاء الدكتور محمد محمود حجازي ليقعد لهذا العلم بأقسامه كلّها في أطروحته للدكتورة بجامعة الأزهر سنة 1967ش بعنوان "الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم"
الخلاصة والحوصلة : إنّ الوحدة الموضوعية كما هو ظاهر من خلال التعريفات والتقسيمات إنما هي جزء وقسم من التفسير الموضوعي وهي تمثل فيما ذكرناه القسم الثاني منه كما يمكننا إدراجها في الوقت ذاته ضمن القسم الأول من علم التناسب وهو التناسب في السورة الواحدة في أنواعه الستة جميعها وكذا في القسم الثاني وهو التناسب بين السور في بعض أنواعه أما التفسير الموضوعي بقسميه الأول (المفردة) والثالث (الموضوع) فإنّه وإن كان يأخذ بشيء من علم التناسب من حيث الاطّراد في القرآن إلاّ أنّه يباينه من حيث الموضوع والطريقة والمنهجية ...
موقع الظلال من علم التناسب والتفسير الموضوعي : وتفسير الظلال إنّما برز وتميّز في دراسته للوحدة الموضوعية حيث تكلم بشكل غير مسبوق وبطريقة أدبية بديعة عن مواضيع السور ومحاورها التي عمّت وجمعت جميع آياتها ...وهذا ما ذكرناه وخصصنا له العنصر الرابع من عناصر هذا المبحث أما الميزة الثانية وهي التي عقدنا لها هذا العنصر فهي التفسير الموضوعي باعتبار مواضيع القرآن كلّه فهذا هو موضوع هذا العنصر الخامس
سيد قطب والتفسير الموضوعي :
يتضح هذا المعلم في تفسير الظلال من خلال المواضع المتعددة التي تناولها سيد رحمه الله يحاول من خلالها تصحيح كثير من المصطلحات والمفاهيم التي اختلطت على الناس بفعل بعدهم عن القرآن الكريم وبفعل تعدد مصادر التلقي عند المسلمين وتنوعها في العصر الحديث كما يتضح من خلال مواضع أخرى متعددة حاول أن يبحث من خلال القرآن عن معانيها المقصودة والمطلوبة يقول الأستاذ أحمد بزوي الضاوي :"والدراسة الموضوعية أو ما يصطلح عليه بالتفسير الموضوعي هو أساس منهجي تقوم عليه عملية التفسير عند سيد قطب رحمه الله وفيها يعنى بدراسة الموضوعات التي أشكل فهمها على الناس بفعل بعدهم عن مدارسة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو هناك انحراف في فهمها وبحثها , إما عن قصد كما هو الحال بالنسبة للمستشرقين والمستغربين , أو ما كان نتيجة لضغط الواقع المادي المهيمن على حياة المسلمين في العصر الحديث . "
وقد مثل الأستاذ الضاوي للتفسير الموضوعي في الظلال بعدة أمثلة نذكر منها :
.1السحر ص96.
2. الجهاد 189
3. السلم ص 206/215.
4. دستور الأسرة المسلمة ص 234
5. رسل الله تعالى ص 278/286.
6. الإسلام يقرر حرية العقيدة ص 293/296.
7. سر وحقيقة الحياة والموت ص 296
8. الزكاة ص 367.
9. التصورات العقدية التي واجهها الإسلام، ص 365
10. تنظيم الأسرة ص 648.
11. الإمامة 688.
12. الجهاد ضرورة من ضرورات الدعوة ص 740/843.
13. حقيقة العقل البشري ص 806/808
14. عقيدة التوحيد ص 818/821.
15. الدعوة إلى الله ص 809
16. التناحر بين الطوائف المسيحية ص 864
17. البيئة الصالحة لتنفيذ الأحكام الشرعية ص 873.
18. النظامالإسلامي كل متكامل ص 882
19. أفضلية شرع الله تعالى على سائر الشرائع ص 890.
20. الولاية لله ورسوله والمؤمنين ص 909.
21. الملائكة ص1042.
22. رحمة الله بالعباد ص 1049.
23. القضاء والقدر ص 1065.
24. الغيب ويشغل حوالي 8 صفحات من ص 1114 إلى 1122
25. الحياة علىعهد الصحابة ص 1142.
26. العبادة ص 3386/3389
27. اليسر ص 3889/3893.
28. الإيمان ص 3964
29. الأمة الإسلامية ص 3967
30. ضياع البشرية ص 3968.
31. الاستغفار ص3996
لكن ما ينبغي تسجيله وملاحظته عل سيد وعلى منهجيته في التفسير الموضوعي أمران :
الأوّل : إنّه على خلاف باقي المفسرين والمهتمين بالتفسير الموضوعي لم يستقصي جميع الآيات في الموضوع بل ينطلق في معالجته للموضوع من الآية المفسَرة ويذكر معها آيات من مختلف المواضع والمواضيع ليستدل بها على تفسيره وفهمه ورأيه ....
الثاني : " هذه الموضوعات يبدو عليها أثر الواقع الثقافي , سواء أكان هذا الواقع دينيا , أم فكريا , أم اجتماعيا , أم سياسيا , أم اقتصاديا , وهي بعد هذا وذاك تهدف إلى تحصين المسلم المعاصر ضد أي غزو ثقافي يمكن أن يتعرض له وذلك بربطه بحقائق الدين المستخلصة من القرآن الكريم ."[91]

هل استغرقت الوحدة الموضوعية تفسير الظلال كلّه ؟
نعم لقد استغرقت الظلال كلّه لكن ينبغي أن نسجل أنه عليه رحمة الله كان إذا خانه الفهم والفكر في الوصول إلى حقيقة تعلق الآية أو البنية أو العنصر بموضوع السورة توقف عنده مليا سائلا من المولى عزّ وجلّ أن يهديه للتوصل إلى معناه المتوافق والسياق فإن لم يهتدي إليه توقف وطلب مساعدة القراء على أن يعود إلى ذات الموضع في طبعة أخرى إن وصل فيه إلى شيء فإن بقي عاجزا على أن يقدم تفسيرا مقنعا أعلن عجزه وامتنع عن الإدلاء فيه بشيء
فانظر مثلا إلى تفسير قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ......ما لم تكونوا تعلمون}[البقرة 238 ـ 239] يقول في طبعة الظلال الأولى: "أشهد أني وقفت أمام هذه النقلة طويلا , لا يفتح عليَّ في سرّها , ولا أريد أنا أن أتحمل لها , ولا أقنَع كل القناعة بما جاء في بعض التفاسير عنها : من أنّ إدخال الحديث عن الصلاة في جو الحديث عن الأسرة إشارة إلى الاهتمام بأمرها , والتذكير بها حتى لا تُنسى ... لقد بقيتُ ستة أشهر أو تزيد لا أجاوز هذه النقلة , ولا أمضي وراءها , لأنّ سرها لم يكشف لي كشفا يستريح ضميري إليه , وأشهد أنه لم يسترح بعد لما اهتديت حتى اللحظة إليه ....." ثم بعد إيراده للتفسير الذي اهتدى إليه رغم عدم قناعته به يقول : ".... ولكنني ـ كما قلت مخلصا ـ لا أستريح الراحة الكافية لما اهتديت إليه . فإذا هُديتُ إلى شيء آخر , فسأبينه في الطبعة التالية , وإذا هدى الله أحدا من القراء فليتفضل فيبلغني مشكورا بما هداه الله ...."[92] وفي الطبعة التالية بعد طول تأمل وإمعان نظر دام السنين الطوال عاود الوقوف عند هذه الآية فذكر مراسلات القراء واستجابتهم لدعوته ثم بيّن أنه لم يطمئن لشيء ممّا ذكروه ولا لشيء ممّا قرأه حتى فتح الله عليه بما كتبه في الطبعة المنقحة من الظلال حين لاحظ أنّ مراد السياق هو تبيين مجالات العبادة وأن لافرق بين الصلاة وبين أحكام الأسرة [ولا غيرها من أحكام السياسة والاقتصاد ] من حيث أنها كلها عبادة لله يجب فيها الإخلاص كما يجب فيها الإتباع والله أعلم
يقول عليه رحمة الله : "... وتندمج عبادة الصلاة في عبادات الحياة , الاندماج الذي ينبثق من طبيعة الإسلام, ومن غاية الوجود الإنساني في التصور الإسلامي . ويبدو السياق موحيا هذا الإيحاء اللطيف ... إنّ هذه عبادات .. وطاعة لله فيها من جنس طاعته في الصلاة ..والحياة وِحْدة .. والطاعات فيها جملة ... والأمر كله لله ... وهو منهج الله للحياة..."[93]
مثال آخر وشاهد آخر يبدو فيه توقف سيد أقطع وورعه أبلغ وذلك عند تعرضه لتفسير قوله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات .......والله يحب المحسنين} [المائدة 93] يقول الأستاذ عبد الفتاح الخالدي: "والذي استوقفه في الآية هو تركيبها ودلالته, حيث كررت التقوى مع الإيمان والعمل الصالح مرة ومع الإيمان مرة ومع الإحسان مرة . اطّلع على تعليلات المفسرين , فلم يجد فيها ما تستريح إليه نفسه .. وأثبت في الطبعة الأولى من الظلال تعليلا لم يرتح إليه , وتراجع عنه في الطبعة المنقحة ..وأحسن تعليل وجده عند إمام المفسرين أبي جعفر ابن جرير الطبري , ولكنه ليس مقنعا ولا شافيا , ولم يرتح له الارتياح الكامل... وبعد تفكير طويل استمر ما يقارب عشر سنوات أعلن عجزه عن تفسير مقنع شافٍ مريح , لأنّ الله لم يفتح عليه في ذلك .. فقال :"وأنا اللحظة لا أجد في هذا القول (قول الطبعة الأولى) ما يرح أيضا ... ولكنه لم يفتح عليّ بشيء آخر .. والله المستعان .."[94]

[1] ألم يكن الصواب أن يقال إنّ المسائل الفقهية مصدرها كتاب الله وكذلك الكلامية واللغوية لكن سيد أراد اجتناب هذه المباحث لكي ينظر إلى القرآن الكريم من زاوية أخرى غير زاوية المتكلم والفقيه هي زاوية الأديب الناقد المكتشف لنظرية التصوير وزاوية المفكر الإسلامي الذي يريد بيان عظمة الإسلام في مناهجه في تشريعاته في غاياته ... وأكثر من ذلك كلّه من زاوية الداعية الذي يريد البحث عن منهج القرآن في الدعوة والحركة ... وهو في ذلك يشبه الفقهاء الذين فسّروا القرآن الكريم فقط ببيان أحكامه ثم الالتفات إلى باقي مباحثه ...
[2] المنهج الحركي في ظلال القرآن , د . صلاح عبد الفتاح الخالدي , دار الشهاب ص 103
(2) مقدمة الطبعة الأولى للظلال .
[3] خصائص التصور الإسلامي ومقوماته , سيد قطب , دار الشروق بيروت الطبعة الثامنة ص 15
[4] "في ظلال سيد قطب لمحات من حياته وأعماله ومنهجه التفسيري" دار العلوم القاهرة
[5] المصدر السابق نسخة خاصة منزلة من الشبكة
(1) مقدمة تفسير المنار: 1/26. ط3 دار المنار بمصر 1367هـ. نقلا عن المصدر السابق مع العلم أنّ لسيد موقف خاص من مدرسة المنار في موقفها من العقل وعلاقته بالنص الشرعي سنأتي على ذكره في محلّه إن شاء الله
[6] مقدمة الطبعة الثانية
(1) الإسراء: 82.
[7] مقدمة الطبعة المنقحة من الظلال
[8] في ظلال سيد قطب لوصفي عاشور أبي زيد
[9] المنهج الحركي في ظلال القرآن للخالدي ص 13
[10] مشاهد القيامة في القرآن , سيد قطب , ص9 دار الشروق بيروت
[11] أستاذ التعليم العالي شعبة الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي الجديدة المغرب متخصص في علوم القرآن وتفسيره له دراسة كبيرة ودقيقة عن سيد قطب وتفسيره نقلتها من الشبكة
[12] الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي , المنهج الحركي في ظلال القرآن , دار الشهاب ص 43
[13] الظلال ج 3 ص 1734 ــ 1736 وانظر كذلك ج 4 2038 ــ 2039
[14] الظلال ج 3 ص 1453
[15] الظلال 4\2039 ـــ 2038
[16] الظلال ج1 ص 348 من مقدمة تفسيره لآل عمران
[17] إنّ فيما ذكرناه هاهنا كفاية للوقوف على ماهية وحقيقة هذا المعلم ولكن لمزيد تفصيل ـــ والذي نرجوا أن لا يشتت ذهن وفهم الزملاء ـــ نورد المطالب التي ذكرها الدكتور صلاح الخالدي في كتابه المنهج الحركي
[18] المنهج الحركي في الظلال ص 45 ــ 46
[19] جميع هذه القواعد منقولة من المصدر السابق وسنقدم بين يدي كلّ قاعدة تعريف مختصر لها من كلام الدكتور الخالدي ثم نذكر بعدها نصوصا للمفسر سيد قطب
[20] المصدر نفسه ص 51
[21] المصدر السابق ص 57
[22] الظلال 3\ 1219
[23] الظلال 2\890
[24] انظر بتفصيل أكبر الظلال 2\889 .... 905
[25] الظلال 3\ 1193
[26] الظلال 1\261
[27] الظلال 1\ 304 ــ 180
[28] الظلال 1 \ 348 ــ 349 مقدمة آل عمران
[29] الظلال 1\ 704 ــ 705
[30] الظلال 3\ 509 ــ 510
[31] التصوير الفني في القرآن ص 7
[32] د. الخالدي المنهج الحركي ص 93
[33] النساء 87
[34] المنهج الحركي ص 112
[35] المصدر نفسه ص 122
[36] مقدمتان في علوم القرآن نشر آرثر جفري ص 278 نقلا من المنهج الحركي ص 122
[37] الظلال 3\1787
[38] المنهج ص 131
[39] انظر الظلال 2 \ 1011 وما بعدها ...
[40] المنهج الحركي ص 132
[41] الظلال 2 \ 1014
[42] الظلال 6 \ 3436
[43] المنهج الحركي ص 137
[44] الظلال 1 \ 156
[45] الظلال 2 \ 713
[46] الظلال 2 \ 669
[47] المنهج الحركي ص168 و 169
[48] المصدر نفسه ص 167 و 168
[49] على أننا سنعود لتعريفها بشكل منهجي علمي أعمق وأدق حين نتعرض للتفريق بين التفسير الموضوعي والوحدة الموضوعية وقد تعمدنا تأجيل هذه التعريفات والتدقيقات للتعامل مع المسألة بالحيثيات التي رافقت زمن كتابة الظلال وقراءاته الأولى حين استحسن العامة والعلماء صنيع سيد قطب وعدّوه اكتشافا في عالم التفسير أو على الأقل تجديدا فيه
[50] الظلال 3 \ 1243
[51] الظلال 1 \ 27 و 28
[52]هو أحد رجلين الأوّل الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح ولد بمدينة وهران بالجزائر في يوم 8 من يوليه 1927م،
تعلم تعليما مزدوجا في كل من المدرسة الفرنسية النظامية والمدارس الحرة لجمعية العلماء المسلمين, انتقل إلى مصر حيث درس في الأزهر الشريف ثم أكمل دراسته العليا في جامعة الصربون وفي سنة 1960 ش عيّن مدرسا لعلوم اللسانيات في كلية اللغة العربية والآداب بجامعة الرباط وبعد استقلال الجزائر عيّن مدرسا بجامعة الجزائر العاصمة حيث عيّن في سنة 1964م رئيسًا لقسم اللغة العربية وقسم اللسانيات، ثم انتخب عميدًا لكلية الآداب، وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية 1968م. وتفرغ في ذلك الوقت للدراسة والبحث في علوم اللسان حيث استطاع بمساعدة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي (وزير التربية آنذاك) أن ينشئ معهدًا كبيرًا للعلوم اللسانية والصوتية وجهزه بأحدث الأجهزة وأسس أيضًا مجلة اللسانيات المشهورة. وفي هذا المعهد واصل الأستاذ بحوثه بفضل المختبرات المتطورة الموجودة فيه وأخرج تلك النظرية التي لقبت في الخارج "بالنظرية الخليلية الحديثة" (وهي مطروحة في الرسالة التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من جامعة السوربون في سنة 1979م). وفي سنة 1988م عُيِّن الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عضوًا مراسلاً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم انتخب عضوًا عاملاً به سنة 2003م في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي، وسبق ذلك أن عُيِّن عضوًا في مجمع دمشق (في 1978م) ومجمع بغداد (1980م) ومجمع عمّان (1984م). وهو عضو في عدة مجالس علمية دولية وعضو أيضًا في لجنة تحرير المجلة الألمانية التي تصدر ببرلين بعنوان:
Z. fuir Phonetik Sprachwissenfaft und Kummunikation forshung.
- للدكتور الحاج صالح واحد وسبعون بحثًا ودراسة نشرت في مختلف المجلات العلمية المتخصصة (بالعربية والفرنسية والإنجليزية) حتى عام 2002م.
الثاني : الأستاذ عبد الرحمن الحاج كاتب وباحث سوري مهتم بالدراسات القرآنية ومدير تحرير موقع الملتقى الفكري للإبداع وهو موقع أكاديمي متخصص بالفكر الإسلامي وقضايا العصر من أهم إنتاجاته الفكرية في الموضوع دراسة بعنوان "المناهج المعاصرة في تفسير القرآن الكريم وتأويله" والغالب على الظنّ أنّه هو المقصود هاهنا
[53] علوم القرآن 341 نقلا من المنهج الحركي ص 154 والأستاذ عدنان محمد زرزور حفظه الله عالم سوري أستاذ بجامعة البحرين متخصص في علوم القرآن الكريم والتفسير وما يتعلق بهما له كتابات ودراسات كثيرة قيمة ومتميزة لعل أهمها "الحاكم الجشمي ومنهجه في التفسير"وهو من تفاسير المعتزلة لا يزال مخطوطا وهو عمدة صاحب الكشاف رغم أنه لم يذكره ولا أحال عليه وهو الآن يُعِدُّ العدة لتحقيقه وطبعه وله تحقيقان نفيسان على كتابين للقاضي عبد الجبار المعتزلي وهما "تنزيه القرآن عن المطاعن" و "متشابه القرآن" وله تحقيق لمقدمة شيخ الإسلام في التفسير وهو أجود تحقيقاتها ومن كتاباته المشهورة والمتداولة "علوم القرآن وإعجازه وتاريخه وتوثيقه" ومنه أخذ النص أعلاه وكتاب "المدخل في تفسير القرآن" و "متشابه القرآن : دراسة موضوعية" اقتصرنا على الكتب التي لها علاقة بالقرآن الكريم ما يهمنا ويخص مادتنا ومقياسنا
[54] أستاذ التعليم العالي , شعبة الدراسات الإسلامية , تخصص علوم القرآن والتفسير كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة شعيب الدكالي الجديدة المغرب له دراسة علمية دقيقة خصها بتفسير سيد قطب رحمه الله
[55] من مقال له نشر على الشبكة العنكبوتية بعنوان : "نسقية السورة القرآنية من خلال تفسير في ظلال القرآن " تجده في ملتقى أهل التفسير
[56] محمد عبد الله دراز علامة مجدد متخصص في الدراسات القرآنية وعلومه ولد في نوفمبر سنة 1894 ش بإحدى قرى الدلتا بمصر لأسرة عريقة معروفة بالعلم فوالده الشيخ عبد الله دراز الفقيه اللغوي عيّنه الشيخ محمد عبده مشرفا على فرع الأزهر بالإسكندرية وله شروح قيمة على كتاب الموافقات للإمام الشاطبي أما الأستاذ الابن فقد تخرّج من الأزهر الشريف عام 1916 ش ثم عيّن فيه أستاذا للتفسير بكلية أصول الدين , نال شهادة الدكتوراة بجامعة الصربون بفرنسا سنة 1947 ش بمرتبة الشرف الأولى له كتابات عدة ودراسات شتى أهمها كتابه القيم "النبأ العظيم" و "دستور الأخلاق في القرآن" يعتبر من أشهر من تحدث وفصّل المقال في مسألة الوحدة العضوية أو الموضوعية للقرآن الكريم ومن أشهر نظرياته في هذا المجال مقولته المشهورة {جُمع القرآن في سورة واحدة هي سورة الفاتحة } تقول الأستاذة فاطمة حافظ (باحثة من دولة البحرين )في دراسة خاصة عن الأستاذ دراز نشرت على الشبكة موقع أسلام أون لاين, نافذة : " ثقافة وفن" ثمّ "مجاهيل ومشاهير" تحت عنوان "عبد الله دراز منظر الأخلاق القرآنية" : " ... نظر دراز إلى الفاتحة نظرة جديدة فلم يكتف بالوقوف عند حدود آياتها ومعانيها , وإنما نظر إليها في علاقتها بباقي سور القرآن , مفترضا أنها على صغر آياتها تجمل مقاصد القرآن الكلية ؛ وأنّ بقية السور ما هي إلاّ تفصيل وبيان لذلك الإجمال الذي حوته . ومقاصد القرآن كما بينها دراز, مقصدان نظريان: هما معرفة الحق ومعرفة الخير , ومقصدان عمليان تثمرهما هاتان المعرفتان ؛ فثمرة معرفة الحق تقديسه وثمرة معرفة الخير التزامه . فالآيات الثلاثة الأولى من سورة الفاتحة عالجت مسألة التعريف النظري بالحق سبحانه وتعالى وصفاته في شذرات ثلاث انتظمت أركان العقيدة القرآنية في ترتيب بالغ الإحكام : المبدأ فالواسطة , فالميعاد (التوحيد , النبوة , الجزاء ) وهي تسفر واقعا عمليا هو العبودية والاستعانة , أما الشقّ الثاني من السورة فيرتبط بالجانب البشري حين يعرض صور العمل الإنساني : المستقيم والضال والمنحرف ويناقشها على ضوء القيم الخلقية ؛ فيجعل من الاستقامة معيارا يحدد للبشرية الصراط الذي ينبغي أن تسلكه ومن استحكمت معرفته بهذا الأصل النظري فإنه يسفر واقعا عمليا هو الهداية مصداقا لقوله تعالى : {اهدنا الصراط المستقيم }.
على مستوى آخر من التحليل نظر دراز إلى السورة من جهة أسلوب الخطاب مقارنة بعموم الخطاب القرآني ؛ فوجد أنها السورة الوحيدة التي أتت على لسان البشرية على حين أنّ بقية السور جاءت على لسان الربوبية ويفسر دراز الاختلاف في وجهة الخطاب إلى أنّ الفاتحة تجسد سؤال البشرية وحاجتها للهدى على حين أنّ باقي القرآن هو الهدى المطلوب..." اهـ وقد تعمدنا نقل هذا الكلام على طوله لسببين اثنين أولهما تعلقه الشديد بالموضوع فهو يبين بحق وصدق ماهية الوحدة الموضوعية للقرآن كله ولسوره وآياته والسبب الثاني لنفاسة هذا الكلام وأهميته فأردنا أن نشاركه زملاءنا الطلبة والأستاذة الكريمة ونسأل الله أن نكون قد وفقنا في ذلك فإن أثقلنا عليكم واستطردنا فيما لا ينبغي فالمعذرة وحسبنا أننا إنما أردنا النصح والإصلاح لا غير ....
[57] وينتقد بعض الدارسين هذه التسمية بقولهم "...ولا أستسيغ هذا الاصطلاح لأنه يستعمل في القصائد الشعرية , وما هو بشاعر ..." ارجع إلى موقع مجلس علوم القرآن
[58] المفكر الإسلامي المعروف الدكتور طه جابر علوان نائب رئيس جامعة الأزهر له مصنفات ودراسات كثيرة جلّها تصبُّ في باب التجديد والمنهج المعرفي من أشهرها "مقاصد الشريعة" "إصلاح الفكر الإسلامي" .....
[59] وهي تعني عنده " أنّ القرآن المجيد واحد لا يقبل بناؤه وإحكام آياته التعدّد فيه أو التجزئة في آياته , أو التعضية [ هكذا في الأصل وربما يقصد التبعيضية ] بحيث يقبل بغضه ويرفض بعضه الآخر , فهو بمثابة الكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة أو الآية الواحدة " انتهى من موقع مجلس القرآن
[60] متخصص في التفسير وعلوم القرآن أستاذ بجامعة القصيم بالسعودية له بحوث ومشاركات عدة في تخصصه ومجاله
[61] نقلت هذا النص من الشبكة دون أن يعزوه صاحبه إلى مرجع معيّن لكن يبدو أنه منقول من البحث القيم "أثر السياق القرآني في التفسير دراسة تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة " وهي رسالة دكتورا مقدمة لجامعة محمد بن سعود الإسلامية بالرياض للدكتور محمد بن عبد الله الربيعة باحث ومتخصص سعودي
[62] هو أبو الحسن برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط ــ بضم الراء وتخفيف الباء ــ بن علي بن أبي بكر البقاعي المولود سنة 809 هـ في سهل البقاع في لبنان اليوم , وكانت البقاع يوم ذاك تعد من سوريا سكن دمشق ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة ثم عاد إلى دمشق وتوفي بها سنة 885 هـ وهو مفسر مؤرخ أديب , له مصنفات كثيرة متعددة منها أشهرها "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" المعروف بمناسبات البقاعي أو تفسير البقاعي طبع في سبع مجلدات وله أيضا "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" طبع في ثلاث مجلدات وله مصنفات أخرى كثيرة اقتصرنا ها هنا على ما له علاقة بالموضوع
[63] مصاعد النظر ص 154 نقلا عن بحث للدكتور محمد بن عبد الله الربيعة بعنوان علم مقاصد السور
[64] من مشاهير الأعلام المعاصرين , سوري , له مشاركات في فنون أهمها علوم الحديث له من المصنفات النافعة والجليلة : "منهج النقد في علوم الحديث " "دراسات تطبيقية في الحديث النبوي" "الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين" ومن كتبه في الفقه "هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة" و "إعلام الأنام شرح بلوغ المرام" وله من التحقيقات النفيسة: تحقيق كتاب الرحلة في طلب الحديث الخطيب البغدادي و تحقيق نزهة النظر للحافظ ابن حجر
[65] المنهج الحركي ص 152 و 153
[66] هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري الفقيه الشافعي الحافظ , رحل في طلب العلم إلى العراق والشام , ومصر وقرأ على المزني , ثم سكن بغداد , وصار إماما للشافعية بالعراق , وتوفي عام 324 هـ . انظر اللباب 2 \ 252 طبقات القراء 1 \ 449 شذرات الذهب 2 \ 302
[67] منسوب إلى قرية شهربان الواقعة شرق بغداد، وإليها ينسب كثير من أهل العلم
[68] الزركشي: البرهان 1/36، السيوطي: الإتقان 2/180، السيوطي: أسرار ترتيب القرآن 40 تحقيق عبد القادر عطا، ط دار الاعتصام 1396هـ، الغماري: جواهر البيان في تناسب سور القرآن15 مكتبة القاهرة ـ مصر. نقلا عن علم المناسبات القرآنية موضوعه تطوره ومكانته للأستاذ عبد الحميد محمود غانم من الشبكة
[69] هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي نسبا الأندلسي موطنا ولد عام 627 هـ وتوفي عام 708 هـ سني العقيدة من أعيان المذهب المالكي الكبار , انتهت إليه الرئاسة بالأندلس في صناعة العربية وتجويد القرآن ورواية الحديث والتفسير والفقه له مؤلفات ومصنفات كثيرة من أشهرها "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه من آي التنزيل" مطبوع بدار الغرب الإسلامي تحقيق الدكتور سعيد الفلاح وله أيضا تفسير لكتاب الله وتعليق على كتاب سيبويه وشرح لإشارة الباجي وغيرها من الكتب في مختلف العلوم والفنون انظر الدرر الكامنة 1 \ 84 ـ 86 وزُرْ ملتقى أهل التفسير على الشبكة
[70] الدكتور سعيد بن جمعة الفلاح مدير المعهد الاعلي للشريعة سابقا –جامعة الزيتونة تونس
[71] ص 118 نقلا عن الدراسة المعنونة بـ : "المناسبات وأثرها على تفسير القرآن الكريم " لكل من الباحثين المتخصصين عبد الله الخطيب أستاذ مشارك في التفسير وعلوم القرآن بكلية الشريعة والعلوم الإسلامية جامعة الشارقة ومصطفى مسلم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بذات الجامعة . نشرت بمجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والإنسانية المجلد 2 العدد 2 ربيع الثاني 1426 هـ يونيو 2005 ش الصفحة 42
[72] يذكره البعض باسم "أسرار القرآن"
[73] طبع بدار الاعتصام القاهرة 1976 ش وطبع كذلك بدار عالم التراث في دمشق 1983 ش تحقيق عبد الله محمد الدرويش
[74] هو الشيخ السيد أبو الفضل عبد الله ابن العلاَّمة أبي عبد الله شمس الدين محمد وُلد رحمه الله تعالى في ءاخر يوم من جمادى الآخرة سنة 1328هـ - 1910ر بثغر طنجة. بدأ الطلب والتحصيل ببلده على يد والده ثم رحل إلى فاس وبعد مدة طويله قضاها في تحصيل العلوم هناك رحل إلى مصر حيث درس بالأزهر الشريف ونال شهادة العالمية (عالمية الغرباء) حيث أمْتُحِنَ في اثني عشر علما فنجح فيها ثم نجح في عالمية الأزهر الشريف وقد رحل كذلك إلى كل من الشام والحجاز وأخذ على علمائهم . بلغ عدد شيوخه الذين أخذ عنهم أكثر من واحد وستين شيخا (61) وله من المصنفات الشيء الكثير حوالي ستين مصنفا مطبوعا
[75] أحد كبار علماء الهند سابقا وباكستان حاليا وواحد من منظري جماعة الدعوة والتبليغ عاش ما بين 1280 هـ و 1364 هـ الموافق لـ 1863 ش و1943 ش وهو الملقب في شبه قارة الهندية بحكيم الأمة
[76] هو الشيخ "حميد الدين أبو أحمد عبد الحميد بن عبد المحسن الأنصاري الفراهي"، يقال له صاحب نظرية نظام القرآن ولد سنة 1280هـ (1864م) في قرية "فيرها" من قرى مديرية "أعظم كره" بشبه القارة الهندية، وبدأ تعليمه منذ ترعرعه.. فحفظ القرآن صغيرا -شأنَ أبناء العائلات الشريفة في الهند- وبرع في الفارسية حتى نَظَم فيها الشعر وهو ابن ستة عشر عاما، ثم اشتغل بطلب العربية وعلومها على يد ابن عمته العلامة المؤرخ الأديب شبلي النعماني (1274 - 1332هـ/ 1858 - 1914م)، وكان أكبر منه بست سنين. كما تلقى العلم في حلقة الفقيه الحنفي المحدث العلامة الشيخ "أبي الحسنات محمد عبد الحي اللَكنوي" (1264- 1304هـ/ 1848 -1887م) وغيره من علماء عصره، ثم عَرَّج بعد ذلك على اللغة الإنجليزية وهو ابن عشرين سنة، والتحق بكلية "عليكره" الإسلامية، وحصل على "الليسانس" في الفلسفة الحديثة من جامعة "الله آباد". ثم عُين معلما للعلوم العربية بمدرسة الإسلام بكراتشي (عاصمة السند آنذاك)، فدرس فيها سنين، وكتب وألَّف وقرض وأنشد، ثم انقطع بعد ذلك إلى تدبر القرآن ودرسه، وجمع علومه، فقضى فيه أكثر عمره حتى توفي رحمة الله في 19/6/1349هـ (11/11/1930م) في مدينة "متهورا" حيث كان يتطبب من مرض ألم به. من أقواله عليه رحمة الله في الموضوع :""إن المراد بالنظام أن تكون السورة كلا واحدا، ثم تكون ذات مناسبة بالسورة السابقة واللاحقة، أو بالتي قبلها أو بعدها على بُعد منها، فكما أن الآيات ربما تكون معترضة، فكذلك ربما تكون السورة معترضة، وعلى هذا الأصل نرى القرآن كله كلاما واحدا، ذا مناسبة وترتيب في أجزائه، من الأول إلى الآخر؛ فتبين مما تقدم أن النظام شيء زائد على المناسبة وترتيب الأجزاء "
[77] ابن النقيب أبي عبد الله محمد بن سليمان بن الحسن جمال الدين البلخي المقدسي الحنفي المتوفى سنة 698 هـ رحمه الله .شيخ أبي حيان الأندلسي من كتبه المعروفة والتي نسبت خطأ لابن القيم الجوزية رحمه الله كتاب الفوائد المشوّق لعلوم القرآن

[78] المقصود هنا أننا لا ننكر هذه التفسيرات وهذه المناسبات لمجرد كونها تفسيرات إشارية بل ما نريد إبرازه هو تميّز الظلال بعدم الاهتمام بهذا النوع من المناسبات
[79] الأستاذ أحمد بزوي الضاوي من مقال له بعنوان "نسقية السورة القرآنية من خلال تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب " زُرْ موقع ملتقى أهل التفسير
[80] المرجع نفسه
[81] نقلا عن مقال للموقعة باسم شجرة الطيب المشرفة على موقع الواحة الشعرية والآفاق الأدبية انظر موقع شبكة رواء للآداب وفنون العربية http://www.ruowaa.com/vb3/showthread.php?t=10832
[82] نقلا عن المصدر نفسه
[83] المصدر السابق
[84] المصدر نفسه
[85] المصدر نفسه
[86]
[87] عبد الرحمن حللي في مقالة بعنوان "في منهج التفسير الموضوعي للقرآن " وعي عبارة عن مقالة نقدية لكتاب "منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم دراسة نقدية " وهي دراسة أعدها الدكتور سامر رشواني صدرت عن دار الملتقى بحلب 2009 ش
[88] المنهج الحركي ص 153
[89] الطالب الباحث عدنان البحيصي
[90] وهو إنتاج ضخم عُبِّئَ بالطعن في كتاب الله عزّ وجلّ والتشكيك فيه
[91] أحمد بزوي الضاوي , منهج سيد قطب في التفسير : الدراسة التفصيلية للسورة , والتفسير الموضوعي
[92] الظلال الطبعة الأولى 2 \ 84 ـ 85 نقلا عن المنهج الحركي ص: 164 ـ 165

[93] الظلال 1 \ 238 وانظر الحاشية في ذات الصفحة والمنهج ص: 165
[94] الظلال 2 \ 978 ـ 979 المنهج 166

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق